أخبار اسلامية

الغيبة وآثارها على المجتمع، الشيّخ حسن الصفار

 الغيبة وآثارها على المجتمع،   الشيّخ حسن الصفار
المصدر: واحة - وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

الغيبة وآثارها على المجتمع، 

الشيّخ حسن الصفار 

 

قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم: ﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾[1] .

 

لا شيء أهم من أن يعيش الإنسان في مجتمعه آمناً على نفسه وماله وعرضه، ذلك لأن الإنسان شخصٌ وشخصية. وإذا كانت سلامته الجسمية والمالية هي قوام شخصه ووجوده المادي، فإن سلامته المعنوية وحفظ سمعته هي قوام شخصيته المعنوية والاجتماعية، لذلك فإن الإسلام بقدر ما يشدد على حرمة الإنسان فيما يرتبط بجسمه وماله فإنه أكثر تشدداًً بالنسبة لما يرتبط بحرمة مكانته وجاهه وسمعته.

 

إن الإنسان إذا كان يعيش في مجتمع يواجه فيه اعتداء جسمياً فإنه بالتأكيد لا يحس بالأمن والاستقرار، وكذلك لو تعرض إلى اعتداء على مكاسبه المادية كنهب منزله، أو سلب أرضه، أو سرقة أمواله فلن يحس بالأمن والاستقرار، وكذلك الحال لو انتهكت كرامته وسمعته، بمعنى انه يتعرض للتجريح والتشهير فهذا أيضاً لا يحس بالأمن في ذلك المجتمع، ومجتمعات كهذه لا تجذب من يعيش فيها ولا ترغبهم في حبها والانتماء إليها.

 

المجتمعات الغربية بالرغم من أن الفلسفة السائدة فيها هي فلسفة مادية لكنها وضعت قوانين تحفظ حقوق الناس في بعديها المادي والمعنوي، فكما أنه لا يستطيع أن يعتدي على مال الآخر لأنه سيكون تحت طائلة القانون، كذلك فإنه لا يستطيع أن يعتدي على سمعة الآخر لأنه سوف يكون تحت طائلة القانون أيضاً، ولذلك عندما ترفع دعوى على شخص ما، ويثبت بعدها أن الحق معه، فإنه يقوم برفع دعوى يطالب فيها بالتعويض وإعادة الاعتبار عن الأذى المعنوي الذي تعرض له.

 

الغِيبة:

 

تؤكد تعاليم الإسلام على هذا الجانب بصورة كبيرة، فاحترام أموال الناس وممتلكاتهم وأعراضهم وسمعتهم على حد سواء، تقول الآية الكريمة ﴿ولا يغتب بعضكم بعضا﴾ نهي صريح عن الاعتداء على شخصية الآخر بالتحدث عنه بما يسوء إليه ويشوه سمعته وهو ما يسمى بالغيبة.

 

من ضروريات الدين كما يتفق على ذلك جميع المسلمين حرمة الغيبة، والقول بأنها عمل محرم، وأنها من كبائر الذنوب والتي ورد التشديد على تركها، وتوعد من يقوم بها ويفعلها بالنار والعذاب الشديد، فالآية الكريمة تؤكد﴿ولا يغتب بعضكم بعضا﴾ أي لا يمارس بعضكم هذا العدوان على الآخر، فالغيبة حرام في المجتمع المسلم، بل يمكن القول في المجتمع الإنساني بشكل عام، ثم تأتي الآية الكريمة بمثال يوضح بشاعة الغيبة، وهي تشبيه من يغتاب غيره بأكل لحم أخيه ميتاً، أرأيت الإنسان الذي يجلس أمام جنازة أخيه ثم يتناول منه لحماً ويأكله! هل تحس وتشعر ببشاعة هذا المنظر؟ هكذا هو حال من يذكر غيره بسوء في ظهر الغيب، والصورة واضحة لأن أكل لحم الميت هو اعتداء على من لا يقدر الدفاع عن نفسه، وذكر الغير بسوء في غير محضرهم حيث لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، يشبه ذلك تماماً. فالغيبة – باعتبار أنها مأخوذة من الغياب – هي التحدث عن عيوب الشخص في غيابه، وهنا لن يستطيع الدفاع عن نفسه. أي كأنها حالة انتهاز غياب الغير بالتحدث عنه بما يكره دون أن يدافع عن نفسه، كانتهاز جسد الميت وأكله وهو لا يستطيع المقاومة.

 

الآثار السيئة للغيبة:

 

يعرف العلماء والفقهاء الغيبة بتعريفات عديدة لعل أرجحها: ذكر عيوب مستورة لإنسان غائب. أحياناً يتجاهر الإنسان ببعض الصفات السيئة فذكره بها لا يعد غيبة، لأنه لم يستر عيبه. وأحياناً يكون للإنسان عيب وبالرغم من ممارسته له، إلا أنه لا يحب أن يظهره، ولا يحب أن يذكره أحد به، فإذا ما أعبته بما يكره في ظهر الغيب فقد اغتبته، وهذا لا يجوز لما يترتب على ذلك من أمور:

 

ـ إن هذا الأمر يعد عدواناً على سمعة وشخصية المذكور.

 

ـ تعود الإنسان على هذا الأمر، إذا ذكرت شخصاً ما بسوء، ستذكر آخر، وهكذا سيكون الأمر مستساغاً عندك، وكما في تشبيه الآية الكريمة، لو أكلت لحم ميت مرة، سيكون أكله مستساغاً في غيرهن من المرات، يقول أمير المؤمنين علي : «لا تعود نفسك على الغيبة فإن معتادها عظيم الجرم»[2] .

 

ـ تلويث أجواء المجتمع بما هو سلبي، والمساعدة على انتشاره، فعندما تتحدث عن عيب فلان من الناس فإن حديثك عن عيبه يرسخ العيب في أسماع الناس فيتطبعوا به، حتى تسمع عمن يغتابك، كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق : «لا تَغتب فتُغتب»[3] .

 

ـ التسبب في رد فعل الآخر، فمن يُغتب قد يصله الكلام بشكل أو بآخر، فيسعى للانتقام، أو الدفاع عن نفسه، مما يجعل المجتمع ساحة للصراع والعداوات وانتشار البغضاء.

 

ـ معصية الله، وحرق الحسنات بالسيئات، والتنازل عن أعمالك الحسنة لغيرك في يوم أنت بأشد الحاجة إلى تلك الأعمال لتثقل بها ميزان أعمالك، فقد ورد حديث عن رسول الله  يقول: «يؤتى بأحد يوم القيامة، يوقف بين يدي الله، ويُدفع إليه كتابه فلا يرى حسناته! فيقول: إلهي ليس هذا كتابي فإني لا أرى فيه طاعتي! فيُقال له: إن ربك لا يضِل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس، ث

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار