المقالات والبحوث

جموح الإنسان وقيود القانون " وقفة قرآنية " بقلم الشيخ عماد مجوت

جموح الإنسان وقيود القانون      " وقفة قرآنية "  بقلم الشيخ عماد مجوت
المصدر: واحة - وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

  جموح الإنسان وقيود القانون

                " وقفة قرآنية "

بقلم الشيخ عماد مجوت

 

 

الإنسان هو الإنسان في أي زمان و مكان ، بنوازعه الذاتية وميولاته واهوائه التي تشكل جزءا من شخصيته الخفية ، فالإنسان اليوم هو نفسه بالأمس ﴿كَالَّذينَ مِن قَبلِكُم كانوا أَشَدَّ مِنكُم قُوَّةً وَأَكثَرَ أَموالًا وَأَولادًا فَاستَمتَعوا بِخَلاقِهِم فَاستَمتَعتُم بِخَلاقِكُم كَمَا استَمتَعَ الَّذينَ مِن قَبلِكُم بِخَلاقِهِم وَخُضتُم كَالَّذي خاضوا﴾[التوبة: ٦٩] .

 

  والقانون بالأمس هو القانون اليوم من حيث الغاية والمقصد ﴿ما يُقالُ لَكَ إِلّا ما قَد قيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذو مَغفِرَةٍ وَذو عِقابٍ أَليمٍ﴾[فصلت: ٤٣] . وإن اختلف باختلاف مقتضيات الزمان والمكان ، ولكن بقي الإنسان هو الإنسان ﴿وَقالَ الَّذينَ لا يَعلَمونَ لَولا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَو تَأتينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم مِثلَ قَولِهِم تَشابَهَت قُلوبُهُم قَد بَيَّنَّا الآياتِ لِقَومٍ يوقِنونَ﴾ [البقرة: ١١٨] .

 

فلم تحد القوانين والتشريعات بتعدد سماتها الإنسان و تمرده ﴿بَل يُريدُ الإِنسانُ لِيَفجُرَ أَمامَهُ﴾[القيامة: ٥] .

 

فالقوانين بكل حدها وجدها ما لم تقيد وجدان الإنسان لا تستطيع أن  تقيد ذاته الخفية ! 

فلا قوانين الأسرة تمنعه من الالتفاف عليها ، ولا تعقيد الأعراف والاجتماع يسد عليه منافذ الخروج منها ، ولا صرامة النظم الإدارية تكسر شوكته ، فهو القافز فوق القوانين ، المطوع لها ، المتمثل بها ، والمتمثلة فيه  .

 

   ومن هنا كان للقرآن الكريم قانونه الخاص الذي يحاكي وجدان الإنسان ، ويتعامل مع تلك الشخصية الخفية والمطوع لها بالانقياد للقانون ظاهرا وباطنا ، وسرا وجهرا ، من حيث إلفاته عن نفسه إلى ربه ، وشعوره بحضوره مع أنفاسه ، فيرى المقنن قبل القانون  ، والمحبوب قبل الحب ، والله تعالى قبل كل شيء ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتُلَني ما أَنا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيكَ لِأَقتُلَكَ إِنّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمينَ﴾

[المائدة: ٢٨]  . فلم يمنعه شيء إلا قانون الحضور فغابت النفس الغضبية بحضور الخوف الإلهي ،  كما غابت النفس الشهوانية بحضور الخوف الإلهي ﴿وَاذكُر فِي الكِتابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِها مَكانًا شَرقِيًّا * فَاتَّخَذَت مِن دونِهِم حِجابًا فَأَرسَلنا إِلَيها روحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا * قالَت إِنّي أَعوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾

[مريم: ١٦-١٨] .

 

فحيث كان خوف الله تعالى كان القانون ، وغابت نوازع الإنسان .

وحيث غاب خوف الله ، غاب القانون وظهرت نوازع الإنسان .

 

   ومن هنا كانت الرسالات تكرس قانون الحضور والرقابة الإلهية وأنه يوجب الحياة ﴿لِيُنذِرَ مَن كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ القَولُ عَلَى الكافِرينَ﴾

[يس: ٧٠] . فالإنذار لمن كان حيا وهم من اتصف بأثنتين  ﴿إِنَّما تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكرَ وَخَشِيَ الرَّحمنَ بِالغَيبِ ﴾ [يس: ١١] . 

فالإنذار سن القوانين ، والقوانين للأحياء  ، والأحياء من يرقبون الله تعالى ﴿وَأَنذِر بِهِ الَّذينَ يَخافونَ أَن يُحشَروا إِلى رَبِّهِم لَيسَ لَهُم مِن دونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفيعٌ لَعَلَّهُم يَتَّقونَ﴾ [الأنعام: ٥١] .

 

  فكان القانون في القرآن هو عين بناء الإنسان  ، فما لم يبنى الإنسان وتعالج وجدانياته فلا قانون يحده ، و لا قوة تمنعه ﴿لَقَد أَرسَلنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنزَلنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ لِيَقومَ النّاسُ بِالقِسطِ﴾

[الحديد: ٢٥] .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار