أخبار المراجع والعلماء

ليلة القدر خير من ألف شهر المرجع الديني الشيخ الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله

 ليلة القدر خير من ألف شهر  المرجع الديني الشيخ الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله
المصدر: واحة - وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

ليلة القدر خير من ألف شهر

المرجع الديني الشيخ الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله

 

          قال الله تبارك وتعالى في فضل وشرف ليلة القدر التي هي أفضل ليالي السنة: [لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ] (القدر:3) والمشهور في فهمها أن العمل فيها يتضاعف برحمة الله تعالى وفضله ليكون خيراً من عمل ألف شهر، وهو معنى صحيح مَنَّ الله تعالى به على عباده ليزيدهم من عطائه كرماً منه، وقد دلت عليه الروايات ففي الكافي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، (قال له بعض أصحابنا: كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟  قال: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر)، ويدلّ عليه وصفها بالمباركة في قوله تعالى: [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ] (الدخان:3) ومن بركاتها زيادة الأجر على الأعمال عن غيرها من الليالي والأيام.

          وهذا المعنى مأخوذ من اسمها؛ لأن القدر –الذي هو بمعنى الشأن العظيم فيقال عالي القدر- متحقق فيها فلها قدر عظيم، كما أنه متحقق في غيرها بدرجات متفاوتة من  الفضل في أمكنة وأزمنة متعددة كالصلاة في المساجد الأربعة وعند أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنها بآلاف الصلوات، وفي ليلة الجمعة ويومها وليالي شريفة متعددة تتضاعف الأعمال أيضاً.

          وهناك معنى آخر لهذه الليلة مأخوذ من اسمها بالمعنى الآخر وهو القدر بمعنى التقدير أي اتخاذ القرار والبت في الأمر وقد ورد هذا التفسير في الكافي بإسناده عن الإمام الباقر(عليه السلام) في رواية جاء فيها: (يقدّر في ليلة القدر كل شيء  يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل: خير وشر وطاعة ومعصية ومولود وأجل أو رزق فما قدّر في تلك الليلة وقضي فهو المحتوم ولله عز وجل فيه المشيئة).

          ويكون معنى الآية حينئذٍ، أن الله تعالى يقدِّر في ليلة القدر مصائر العباد وأرزاقهم وأمورهم المستقبلية قال تعالى: [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ] ومعنى كونها خيراً من ألف شهر أن العبد قد يحظى بالتفاتة من ربه ويناله لطف خاص فيقدّر الله تبارك وتعالى له في هذه الليلة أمراً يساوي حياته كلها التي تمتد في المعدل ألف شهر وهي حوالي 83 سنة.

          ولذا ورد في أدعية هذه الليلة (وإن كنت من الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني من السعداء فإنك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلواتك عليه وآله: [يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] فمثل هذا التغيير في القضاء إذا حصل في هذه الليلة فإنه يعادل العمر كله؛ لأن غاية سعي الإنسان في حياته هو بلوغ السعادة الحقيقية بفضل الله تبارك وتعالى.

          وكان الأئمة (عليهم السلام) يعطون لهذه الليلة أهمية خاصة ويوجّهون شيعتهم لإحيائها بما يقرّبهم إلى الله تبارك وتعالى. روى الشيخ الطوسي (قدس سره) في التهذيب بسند معتبر عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (سألته عن ليلة القدر، قال: هي ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، قلت: أليس إنما هي ليلة؟ قال: بلى، قلت: فأخبرني بها، قال: وما عليك أن تفعل خيراً في ليلتين)([2]).

          وعن الفضيل بن يسار قال: (كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين أخذ في الدعاء حتى يزول الليل، فإذا زال الليل صلّى)([3]).

          وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (أتى رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلٌ من جهينة فقال: يا رسول الله إن لي إبلاً وغنماً وغُلمة وعمَلةً فأحب أن تأمرني بليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة، وذلك في شهر رمضان، فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسارّه في أذنه، فكان الجهني إذا كانت ليلة ثلاثة وعشرين دخل بإبله وغنمه وأهله فبات تلك الليلة بالمدينة فإذا أصبح خرج بمن دخل به فرجع إلى مكانه)([4]).

          وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان هي ليلة الجهني فيها يفرق كل أمر حكيم وفيها تثبت البلايا والمنايا والآجال والأرزاق والقضايا، وجميع ما يُحدث الله عز وجل فيها إلى مثلها من الحول، فطوبى لعبد أحياها راكعاً وساجداً ومثّل خطاياه بين عينيه ويبكي عليها فإذا فعل ذلك رجوت أن لا يخيب إن شاء الله تعالى)([5]).

                    ولذلك ينبغي للمؤمن أن يلح في مثل هذا الطلب في ليلة القدر لعله يحظى بالقبول، فإن رحمة الله واسعة وفضله مبذول لمن سأله وأن يكون دعاؤه بالحال الذي وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ( فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة) وينبغي أن يقوم بالأعمال التي تحقق له أهلية الاستجابة والقبول في ليلة القدر –كالإكثار من الصلوات المستحبة كصلاة مائة ركعة والدعاء والرحمة بالآخرين وسماع الموعظة وذكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومصائبهم- مما يحيي القلب وينقيه ويخلص النية، ومن أعمالها المؤكدة زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ولو من بُعد لمن يتعذر عليه زيارة تربته المق

 

يوم عاشوراء وتأمل في حاله وأرجع نفسه واتخذ القرار الشجاع  بالانتقال إلى معسكر الحسين (عليه السلام) وتحول من الشقاوة الأبدية إلى السعادة الأبدية، فقد كانت هذه الساعة هي كل حياته وليس تلك السنين الطويلة التي قضاها بعيداً عن الحق.

          ومما ينبغي التركيز عليه في هذه الليلة الدعاء للإمام صاحب العصر (أرواحنا له الفداء) لأنه صلوات الله عليه وسلامه هو صاحب هذه الليلة ويزداد فيها شرفاً وكرامة، سُئل الإمام الباقر (عليه السلام) عما إذا كان يعرف ليلة القدر؟ قال (عليه السلام): (كيف لا نعرف والملائكة تطوف بنا فيها)([7])، وعليه (عليه السلام) تنزَّل الملائكة وتعرض عليه ما قضى الله تبارك وتعالى به على العباد في تلك الليلة إلى العام المقبل فينظر (عليه السلام) فيها ويدعو لأصحابها بما يناسبهم، لأنه حجة الله تعالى الفعلية على المخلوقات، ويستحب الإكثار من دعاء (اللهم كن لوليّك الحجة بن الحسن) عسى أن نحظى  بنظرة كريمة منه نستكمل بها الكرامة عند الله تبارك وتعالى ثم لا يصرفها عنا بجوده وكرمه.

          وينبغي الالتفات أيضاً إلى أن أعمال ليلة القدر منتشرة في كتب السنن والمستحبات كـ(مفاتيح الجنان) و(مصابيح الجنان) تحت أكثر من عنوان، فتوجد أعمال خاصة بالليلة وتوجد غيرها تحت عنوان (الأعمال المشتركة لليالي القدر وأخرى تحت عنوان العشر الأواخر من شهر رمضان وأخرى تحت عنوان الأعمال العامة لشهر رمضان، فالتهيؤ والاستعداد يشمل تجميع هذه المفردات في برنامج عمل يأخذ منه كل شخص بما يناسبه وما ييسّره الله تبارك وتعالى.

          نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل ليلة القدر وأن يقسم لنا فيها خير ما قسم لأحد من عباده الصالحين إنه واسع كريم.

 

([1]) أصل الكلمة تقرير لحديث سماحة المرجع الديني الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من زوار أمير المؤمنين (عليه السلام) مساء يوم 21/رمضان/1431 ثم أضاف إليها سماحته ليتحدث بها من خلال قناة النعيم الفضائية في رمضان /1432 الموافق آب/2011.

([2]) التهذيب: 3/58.

([3]) الكافي: 4/155 ، الخصال: 519.

([4]) التهذيب: 4/330، الدعائم: 1/282، بحار الأنوار: 83/128.

([5]) دعوات الراوندي: 207.

([6]) بحار الأنوار: 97/10.

([7]) تفسير البرهان: 4/488، ح29.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار