المقالات والبحوث

شرح فقرات دعاء الافتتاح

 شرح فقرات دعاء الافتتاح
المصدر: واحة - وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

شرح فقرات دعاء الافتتاح 

(وَصَلِّ عَلَى الصِّدِّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فَاطِمَةَ الزَّهرَاءِ، سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ).

 

تقدم الشرح في القسم الثاني الذي تناول ايضاح منزلة رسول الله وبيان الحجج من بعده وتناول حجية امير المؤمنين ثم انتقل الى بيان مقام الزهراء بالصلاة عليها، وهو ما يستوجب التوضيح والشرح:

 

نشأت الزهراء (عليها السلام) في أحضان الوحي والنبوة ، في بيت مفعم بكلمات الله وآيات القرآن المجيد، وكانت فاطمة الزهراء تشبه رسول الله في خَلْقه وأخلاقه، وقد كان رسول الله ينهض إذا دخلت عليه فاطمة وكان يقبِّل رأسها ويجلسها جنبه.

 

وكانت فاطمة ترعى أباها عندما توفيت أمها خديجة الكبرى، وتسعى لملأ الفراغ الذي نشأ عن رحيل والدتها، وهي في تلك السنّ الصغيرة وقد شاركت أباها محنته وهو يواجه أذى المشركين في مكّة وفي حصار شعب ابي طالب وتحملت الجوع والأذى معه، وكانت تحدّثه بما يُسلّي خاطره ويزيل الآمه، ولهذا سمّاها رسول الله(ص): أمَّ أبيها.

 

وقد سألتْ عائشة رسول الله ذات يوم عن سبب حبّه لفاطمة هذا الحبَّ العظيم، فقال لها يا عائشة لو علمتِ ما أعلم لأحببتيها كما أحبّ، فاطمةُ بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني، ومن سرّها فقد سرّني.

 

ولما بلغت فاطمةُ سنَّ الرشد، خطبها كثير من الصحابة في طليعتهم أبو بكر وعمر، وكان رسول الله يردّ الخاطبين قائلاً: إنني أنتظر في أمرها الوحي، وجاء جبريل يخبره بأن الله قد زوّجها من علي، وهكذا تقدم علي، والحياء يغمر وجهه إلى خطبة فاطمة (ع)

 

فدخل رسول لله على فاطمة ليرى رأيها وقال لها: يا فاطمة إن علي بن أبي طالب من قد عرفْتِ قرابته وفضْله وإسلامه، وإني قد سألتُ ربّي أن يزوِّجكِ خيْرَ خلْقه وأحبَّهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟

سكتت فاطمة وأطرقت برأسها إلى الأرض حياء، فهتف رسول الله: الله أكبر، سكوتها رضاها، وقد تمّت مراسم العقد والزواج ببساطة تعكس سماحة الإسلام، فقد كان علي لا يملك من دنياه شيئاً غير سيفه ودرعه، فأراد أن يبيع سيفه، فمنعه رسول الله لأن الإسلام في حاجة إلى سيف علي، ولكنه وافق على بيع الدرع، فباعه علي (ع) ودفع ثمنه إلى النبي ليكون مهرا لزوجته.

 

كانت حياة علي وفاطمة(عليهما السلام) مثالاً للحياة الزوجية الكريمة، ومثالا للزهد في الدنيا، وفي الثالث من الهجرة أنجبت فاطمة(ع) أول أولادها فسمّاه النبي الحسن (ع)، وبمولده غمرت الفرحة قلب رسول الله، وهو يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى ويغمره بآيات القرآن، وبعد عام وُلد الحسين(ع) فقد أراد الله أن تكون ذرّية رسوله محمد(ص) من فاطمة (ع)، واحتضن الرسولُ سبطيه يحوطهما برعايته، وكان يقول عنهما: هما ريحانتاي من الدنيا، وقال فيهما كثير من الاقوال المشهورة بين المسلمين ومنها (الحسن والحسن امامان قاما او قعدا وسيدي شباب اهل الجنة)، والحديث مذكور في مصادر اهل السنة اضافة لمصادر الشيعة كما في كتاب علل الشراىع ج١ص٢٤٨، والارشاد للمفيد، والبحار وكفاية الاثر وغيرهما،

 

ومرّ عام جاءت بعده زينب إلى الدنيا، وبعدها أم كلثوم وهكذا أراد الله أن تكون ذرية الرسول في ابنته الوحيدة فاطمة الزهراء (ع) كما في قوله تعالى:[إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، "ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ" وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] .

 

كما تحدث الله عن هذه الاسرة المباركة في ايات مختلفة كآية التطهير بقوله:[إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا]، وايات اطعام الطعام لليتيم والاسير والمسكين وهم صيام كما في قوله تعالى:[وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا].

 

وفي سورة المباهلة عندما اراد وفد نصارى نجران مباهلة النبي بان ينزل الله لعنته على الكاذب منهم، فخرج اليهم ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين فأصابهم الرعب وتخلوا عن المباهلة ورضوا بشروط رسول الله، كما بين في الله في كتابه بقوله:[فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ].

 

واذا كانت مريم بنت عمران سيدة النساء في عصرها، وكانت آسية امرأة فرعون سيدة نساء زمانها، وكذلك كانت خديجة بنت خويلد (عليهم السلام جميعا)حيث شملتهم الاحاديث بانهم افضل نساء اهل الجنة، فقد توّج الاسلام فاطمة الزهراء بأنها سيدة نساء العالمين، حيث كان زوجة لولي الله الاعظم بعد النبي، وكان منها الحسن والحسين والائمة المعصومين من ذرية الحسين واخرهم الامام ال

 

تقدم الشرح في القسم الثاني الذي تناول ايضاح منزلة رسول الله (ص)، وبيان الحجج من بعده ابتداء من امير المؤمنين ثم انتقل الى بيان مقام الزهراء ثم بيان مقام حجج الله بالقول:

 

(وَصَلِّ عَلَى سِبطَيِ الرَّحمَةِ(السبط: هو ابن البنت)، وَإِمَامَيِ الهُدَى، الحَسَنِ وَالحُسَينِ، سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهلِ الجَنَّةِ، وَصَلِّ عَلَى أَئِمَّةِ المُسلِمِينِّ، عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى بنِ جَعفَرٍ، وَعَلِيِّ بنِ مُوسَى، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ(اي الامام الجواد)، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَالخَلَفِ الهَادِي المَهدِيِّ، حُجَجِكَ عَلَى عِبَادِكَ، وَأُمَنَائِكَ فِي بِلَادِكَ، صَلَاةً كَثِيرَةً دَائِمَة(ً.

 

هذا المقطع من الدعاء يعرّف بحجج الله على العباد بذكر اسماءهم من بعد امير المؤمنين وهي مسألة مهمة تستدعي معرفة معنى الحجية لله والذين قال الله عنهم: كما يلي:[أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ].

 

فكما هو معلوم ان الخالق جل جلاله لم يخلق الخلق عبثا ولم يتركهم سدا ولذا ارسل اليهم الانبياء والرسل وانزل معهم الكتب لبيان ربوبيته ولتعريف خلقه بحقيقة الدنيا وفناء من فيها ثم بعثهم مجددا في يوم القيامة وما بعده من الحياة الابدية في النار او الجنة، فمنذ أن خلق الله الإنسان، والأرض لم تخل من حجة له على العباد، لإرشادهم الى توحیده وعبادته، وإلى إتباع دينه ومنهجه، لأجل الوصول بهم إلى كمال الإنسانية والرقي في الدنيا، وبلوغ درجات السمو والرفعة في الآخرة، وهو دور خطير لا يستطيع أن يقوم به إلا من اختاره الله وأهّله لهذه المهمة العظيمة بصفات خاصة ليكون قادرا على اداء التكليف الالهي.

 

وخير ايضاح لخطورة دور الإمامة وجسامة عمل الإمام هو ما أوضحه الأئمة المعصومين أنفسهم عن ذلك. 

فعن الإمام جعفر الصادق ع في بيان معنى الامامة قال:

 

(أن الإمامة زمام الدين).

والزمام: هو الرباط الذي يقاد به الفرس وقد شبه ع الامامة بانها هي الرباط او الوسيلة التي یقاد به الدین لتحقيق ما يريده الله من عباده ومن دون ذلك تتعدد الافهام والتصورات لمعنى الدين ويكون لكل جماعة دين خاص بها}، 

(ونظام المسلمين).

اي ان الامامة هي الوسيلة التي تنتظم بها شؤون المسلمين ويتم من خلالها الوصل والترابط بين اجزاء المجتمع على اختلاف طبقاتهم لتجتمع حول دين الله واهدافه الربانية.

 

(وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين).

فعن طريق الامامة او القيادة الحكيمة المعصومة تصلح احوال الدنيا ويعيش المؤمنون حالة العز الذي اراده الله لهم من دون سلب لحقوقهم او كراماتهم.

 

(ان الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي).

اي ان الامامة تمثل الاساس المحکم الذی یقوم علیه الدین ومنه تتفرع المعرفة والحكمة التي ترفع المجتمع في جميع المجالات الفردية او الاجتماعية.

 

(بالإمام تتم الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وتوفير الفيء، والصدقات، وامضاء الحدود والاحكام ومنع الثغور والاطراف).

فالعبادات التي اوجبها الله على عباده لا تصح من دون وجود حجة له يعرف الناس بتفاصيل العبادة بمعناها المادي والمعنوي، فما جعل الله العبادات الا وسائل لتربية الانسان، ومن ذلك ما ينتج عن بعض العبادات من شؤن مالية او غنائم تحتاج الى معرفة في صرفها وتوزيعها لكي لا يُجمع المال بالظلم او يُستعمل فيما لا يرضي من تقسيمات تتبع الهوى.

 

(الامام يحل حلال الله، ويحرم حرامه، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة).

 

(الامام امين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي الى الله، والذاب عن حرم الله).

والمراد بحرم الله هو ما اوجبه على عباده ومالا يحل لهم انتهاكه.

 

(الإمام المطهر من الذنوب، والمبراً عن العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم، نظام الدين، وعزّ المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الکافرين).فمن صفات الامام ان يكون مطهرا من الذنوب بعيدا عن الفواحش متسما بالخلق العالي والعلم الغزير.

 

 

(الإمام واحد دهره، لا یدانیه أحد، ولا یعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير)

فالامام او حجة الله متميز في علمه وشخصه وصفاته لا يوجد له مثيل او بديل.

 

(الکافی: ج ۱ صله ١٥٥).

 

وعن أمير المؤمنين ع قال في اهمية الامام العادل وصفاته قال:

 

(وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج، والدماء، والمغانم، والأحكام، وإمامة المسلمين:

 

(البخيل فتكون في أموالهم نهمته).

فمن طبيعة البخيل ان يجمع المال لنفسه ليزيد ثروته فيطمع في مال الناس وظلمهم.

 

(ولا الجاهل فيضلهم بجهله).

فالامام او الوالي ان كان جاهلا فانه يضيع الناس بجهله سواء في الجانب الديني او العلمي

 

(ولا الجافي فيقطعهم بجفائه).

فمن كان جافيا في علاقاته مع الناس فان الناس تتحاشاه لتأمن ضره .

 

(ولا الحائف للدُول فيتخذ قوماً دون قوم).

والحائف هو الظالم في حكمه، والدُول جمع دُولة وهو المال الذي يتداول به بين الناس، والمعنى العام أي لا يجوز أن يكون المال بيد الظالم الذي لا يقسم المال بالسوية بين المسلمين أو كما فرض الله، فيتخذ قوما يفضلهم على الاخرين من دون رعاية الموازين الشرعية فيعطيهم ما يشاء ويمنع الاخرين حقوقهم ، وهو ما نهى الله عنه في كتابه بقوله[مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ]. وفي بعض النسخ ورت الدِوَل بالكسر والفتح اي جمع دولَة وهي الغلبة في الحرب وغيره والمراد الذي يخاف تقلبات الدهر وغلبة أعدائه فيتخذ قوما يتوقع نصرهم ونفعهم في دنياه ويقوم بتفضيلهم بالعطاء ومدهم بالمال والمساعدة بدون حق.

 

(ويقف بها دون المقاطع)

اي ولا ينبغي ان يكون الوالي ممن يقف بالاموال دون المقاطع وهي الحدود التي عينها الله في الصرف للحقوق الشرعية بمعنى انه لا يصح ان يكون الامام من هذا النمط

 

(ولا معطل للسنّة، فيهلك الأمة)

فمن يعطل السنة يعني انه يتصرف برايه وما في ذلك من الهوى والبعد عن حدود الله

(الكافي ج١ ص١٥٥)

 

 

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار