أخبار المراجع والعلماء

المرجع اليعقوبي علاج حالة قابلية الاستعباد- التي تؤسس للانحطاط يبدأ باجتثاثها من عقل الانسان

المرجع اليعقوبي علاج حالة قابلية الاستعباد- التي تؤسس للانحطاط يبدأ باجتثاثها من عقل الانسان

المرجع اليعقوبي علاج حالة قابلية الاستعباد- التي تؤسس للانحطاط يبدأ باجتثاثها من عقل الانسان

(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف

السلوك الفرعوني هو ديدن الطواغيت والمستكبرين والطامحين الى الزعامة والتسلط على رقاب الناس في كل زمان ومكان وأدواتها في تطور مستمر، لاحظ سلوك الحكومات الغربية تجاه شعوبنا الإسلامية من أجل السيطرة عليها وسلب خيراتها والتحكم في شؤونها مما يسمى بالاستعمار، فهم يسحقون شخصية هذه الشعوب ويشعرونها دائماً بالدونية وجعلهم مستهلكين غير قادرين على بناء حضارة متينة قادرة على البقاء والتقدم وإن كانوا من حيث المظاهر المادية في أرقى صورها – كدول الخليج مثلاً – فهم دائماً مرتهنون لأولئك المتحكمين.

كما استطاعوا أن يبهروا شعوب المنطقة بإبراز مظاهر التقدم العلمي والتكنولوجي وهذا الانبهار أدى الى الانسياق وراء كل ما يصدرّونه الينا من تقاليد وأفكار وسلوكيات كشرب الخمر والانحلال الخلقي تحت شتى العناوين وإشاعة الفاحشة باسم الفن او الرياضة او الحرية، والبحث عن اللهو والعبث واللعب وهكذا في سائر أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، حتى سوقوا أكثر الجرائم انحطاطاًُ كزواج المثليين بقوانين رسمية تحت عنوان الحرية الشخصية وامثالها والاعتداء على الإسلام ورسوله الكريم محمد (ص) بذريعة حرية التعبير عن الرأي وأمثالها من الامور التي جعلوها مقدسة لا يجوز المساس بها ما دامت تصب في مصالحهم بينما يعاقبون بشدة من يتحدث بمظالمهم ويفضح ادعاءاتهم – كمعاداة السامية – ولا يشفع له حرية التعبير عن الرأي.

هذا مما جاء

في تفسير قوله تعالى (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)للمرجعالديني الشيخ محمد يعقوبي دام ظله حيث نستعرض هنا اهم ما ذكره سماحته في تفسير الاية حيث اوضح سماحته

ان الآية تقدّم لنا حقيقة سبق اليها القرآن الكريم وقررّها قبل ان يتوصل اليها علماء الاجتماع بعد قرون طويلة وهي ان الشعوب المستضعفة والمستعبدة من قبل الطواغيت او القوى الخارجية المحتلة لا تسقط في هذه الانتكاسة إلا لأنها تتوفر فيها قابلية الاستعباد، وعلى تعبير بعضهم قابلية الاستعمار، وعلى تعبير آخر: قابلية الاستحمار لان الشعوب حينئذٍ تُقادُ الى حيث يريد مستعبدوها بلا بصيرة ولا وعي وإدراك لمصيرها البائس الذي تسير اليه بحيث تغفل هذه الشعوب عن أشد المظالم وأوضح الجرائم بحقها وتصرّ على السير خلف الظالمين المستبدين فيسوقونهم الى الموت ويسلبون أموالهم ويُسخرونهم لتحقيق نزواتهم وهم يصفِّقون لهم ويقدسونهم ويطيعونهم طاعة عمياء.

والتأمل في سلوك فرعون مع شعبه الذي حكته الآيات الشريفة السابقة يشير الى الأساليب التي يتبعها الطواغيت والمستكبرون لتدجين الشعوب واستخفافها وهي لا تختلف عن أساليب اليوم إلا من حيث الشكل والأدوات التي تتغير تبعاً للزمان وإلا فالحقيقة واحدة.

قال تعالى (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ، فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ، فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الزخرف:51-54).

والأساليب هي:

1-   سلب حالة الوعي والادراك والفطنة التي عبّر عنها القرآن الكريم بـ(البصيرة) وتكريس حالة الجهل والتخلف والانقطاع عن أسباب المعرفة الحقيقية والاهتمام بالقشور وقلب موازين التقييم من معنوية حقيقية جوهرية الى مادية سطحية زائفة وهكذا ضمن عملية غسل دماغ تسلب عقولهم ووعيهم ويتحولون الى قطيع منفذ للأوامر، ولذا قال لهم  (أَفَلَا تُبْصِرُونَ) فدعاهم الى النظر الحسّي ولم يدعوهم الى  التأمل والتدبر والتفكر لئلا تظهر الحقائق ويُفتضح المخادع، والأمور التي دعاهم فرعون الى إبصارها قريبة محسوسة أما موسى (ع) فيدعوهم الى الايمان بامورٍ غيبيةٍ بعيدة عن إدراك الناس الغافلين.

وتحاط عملية غسل الدماغ احياناً بالقدسية والخطوط الحمراء التي لا تقبل النقاش، وهنا يكون دور لعلماء الدين المحبين للدنيا والواجهات المؤثرة في المجتمع (السحرة ومعبرو الاحلام في قوم فرعون) لإضفاء هذه القدسية وشرعنة ما يفعله الطغاة وإدامة سلطتهم وهيمنتهم وإحكام الطوق على الشعوب المستعبدة باسم الدين وشعائره، لكن أي دين؟ لقد وصفهم أمير المؤمنين (ع) بأنهم (لبسوا الإسلام لبس الفرو مقلوباً)([3]).

وهذا ما يدفع الزعامات الحريصة على مواقعها الى استخدام كل أساليب البطش والقسوة المادية والمعنوية بحق المصلحين الواعين الذين ينهضون لإيقاظ الأمة وتبصرتها وترشيد سلوكها, وتحريرها من الاغلال والآصار التي تُحجرّ على عقولهم وتلّوث باطنهم وفطرتهم([4]).

 

2-   استحقار الآخر (فرداً او شعباً) والاستهزاء به لسحق شخصيته وإظهار عجزه وضعفه ليقتنع بأنه مخلوق ليكون تابعاً لغيره فموسى (ع) عند فرعون (مهين) لأنه من بني إسرائيل المستضعفين المواطنين من الدرجة الثانية الذين لا يحق لهم العمل إلا في المجالات المتدنية كرعي الأغنام وخدمة الأغنياء والمترفين، وكان المظهر الخارجي لموسى (×) متواضعاً قال أمير المؤمنين في وصفه (وَلَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ × عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَيْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ وَبِأَيْدِيهِمَا الْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَدَوَامَ عِزِّهِ فَقَالَ أَلا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرِطَانِ لِي دَوَامَ الْعِزِّ وَبَقَاءَ الْمُلْكِ وَهُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَالذُّلِّ فَهَلا أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَجَمْعِهِ وَاحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَلُبْسِهِ)

ووصفه فرعون ثانية بأنه (ولا يكاد يبين) مستغلاً ما كان معروفاً عن موسى (ع) قبل خروجه من مصر بأنه كانت له عقدة في لسانه فلا يكاد يبّين ما يريد قوله بوضوح فخدعهم بهذه الحالة التي كانت قبل بعثه بالنبوة، فلما بعثه الله تعالى بها شكى حاجته (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ) (الشعراء/13) (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً) (القصص/34) ودعا ربّه بإطلاق لسانه (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي) (طه/27- 28) وقد استجاب الله تعالى دعاءه وأطلق لسانه (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) (طه/36).

3-   إقناعهم بحاجتهم لهؤلاء المستكبرين وانهم لا يستطيعون الحياة بدونهم وخلق حالة رعب وقلق وخوف (فوبيا) من البديل (وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) كان نهر النيل والانهار والجداول المتفرعة عنه التي روي انها وصلت الى 360 فرعاً مصدر حياة المصريين ورخائهم وازدهارهم وفخرهم وعزتهم، فصّور لهم ان هذه الشبكة الإروائية تجري بأمره ووفق تدبيره وهي تحت سلطته وقدرته، وموسى (ع) لا يملك شيئاً من هذا والذهاب معه يحرمكم من هذه العزة والرخاء.

4-   خلق حالة الانبهار به لدى الطرف الآخر وجعله باهتاً امام هـذه الجبــروت

والعظمة التي هي زائفة في الحقيقة فتأخذ بألباب الناس ومجامع قلوبهم وعقولهم ويكون غاية هم الناس أن ينالوا شيئاً من فتات دنياهم (قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي) (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) وحالة الانبهار تولد تبعية وانقياد لما أنبهر به: ولا يفكر المنبهرون حينئذٍ في الخروج عن طاعتهم فضلاً عن التفكير في إزالتهم وإقامة النظام البديل.

فالمستكبرون يوهمون الناس بأن من يتطلّع الى القيادة والأمرة لابد ان يكون كالفراعنة متزيناً بالذهب والفضة ويملك الثروة طائلة، وهذا غاية الاستخفاف بالناس أن يجعل دليل صدق النبوة والسفارة الإلهية وتبليغ رسالة الله تعالى حيازته للثروة والذهب والاعراض عن الآيات والبينات التي جاءهم بها وهو نفس إشكال قريش في الآية (31) من سورة الزخرف (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).

وختم سماحته  نشير الى ان علاج هذه الحالة –أي قابلية الاستعباد- التي تؤسس للانحطاط يبدأ باجتثاثها من عقل الانسان وقلبه ونفسه وقد اختصره أمير المؤمنين (ع) بقوله (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً)أياً كان هذا الغير: أهواء النفس الأمّارة بالسوء او الطواغيت والزعامات المصطنعة، أو شياطين الجن والانس.

 

----------------------------------------------------------
(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف
© Alhawza News Agency 2017

 

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار