أخبار المراجع والعلماء
السيد صادق الشيرازي :أشدّ ما فرضه الله أداء حقوق الآخرين
السيد صادق الشيرازي :أشدّ ما فرضه الله أداء حقوق الآخرين
(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف
في عشية ذكرى مولد مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه، الثالث من شهر شعبان المعظّم1438للهجرة (30/4/2017م).
قام بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، جمع آخر من المؤمنين والمؤمنات من دولة الكويت، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة.
بعد أن رحّب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، بالضيوف الكرام، قال:
مع رفع التهاني والتبريكات، بمناسبة ذكرى ميلاد سيّدنا ومولانا سيّد شباب أهل الجنّة، الإمام الحسين صلوات الله عليه، إلى المقام الرفيع والمنيع لسيّدنا ومولانا بقيّة الله المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره وأعوانه، وأسأل الله عزّ وجلّ أن يعجّل في فرجه الشريف عاجلاً. ومع رفع التبريكات والتهاني لجميع المؤمنين والمؤمنات في كل مكان، بهذه المناسبة الكريمة والعظيمة.
وقال سماحته: ورد في الحديث الشريف أنّه: من أشدّ ما فرض الله عزّ وجلّ على العباد إنصاف الناس من أنفسهم.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الخلق، الرجال والنساء، ومنح الكل ما أراده هو عزّ وجلّ من الطاقات والإمكانات، النفسية والجسدية والماديّة وغير ذلك. وفرض عليهم فروضاً، وأوجب عليهم واجبات، بعضهم لبعض. وحسب قول الإمام المعصوم صلوات الله عليه في الحديث الشريف أعلاه، إنّ من أشدّ الفروض، أي الواجبات، التي فرضها الله على الكل، رجالاً ونساء، هو إنصاف الناس من أنفسهم، يعني ما فرض الله من الحقوق الواجبة، لكل شخص على آخر، بأن ينصف للآخرين من نفسه. يعني يؤدّي حقوق الآخرين من نفسه. فالناس غالباً يطالبون حقوقهم من الآخرين، على شتّى المستويات، أي مستوى الأفراد والمجتمعات والحكومات والشعوب.
مثلاً: الزوجان. فالفرض على الزوج، بل من أشدّ الفروض كما يقول الإمام صلوات الله عليه، أن يعطي الزوج حقوق الزوجة، وبالعكس أيضاً، أي الزوجة عليها أن تعطي حقّ الزوج من نفسها. وهذا من أشدّ الفرائض، أيضاً.
إنّ كثير من الناس، والعياذ بالله، لا ينجحون في هذه المسألة. وكثير من الناس لا يعلمون هذا الفرض الإلهي الذي يعبّر عنه الإمام صلوات الله عليه بأنّه من أشدّ ما فرض الله تعالى. ولذا على الزوجة أن تعلم ما هي الحقوق الواجبة عليها للزوج، وتؤدّي تلك الحقوق. وهذا ما لا يوفّق له إلاّ القليل من النساء. وكذلك على الزوج أن يعلم ماذا فرض الله عزّ وجلّ عليه من حقوق للزوجة ويؤدّيها. وهذا ما يرسب فيه الكثير.
قد يسأل بعض: لماذا يقول الإمام صلوات الله عليه بأنّه (من أشدّ)؟ وللجواب نقول: دلالة على أهميّتها. فالصلاة هي فريضة ولكنها ليست من أشدّ الفرائض. والصوم فريضة وهو ليس من أشدّها. وفريضة الحجّ على من استطاع إليه سبيلاً ليست من أشدّ الفرائض. وأما فرض المواريث، أي تقسيم ما يوصي ويفرضه الإنسان بتقسيمه بعد موته، فهو من أشدّها. والعياذ بالله، لا ينجح الكثير من الأوصياء (العاملين بالوصيّة) في هذا الأمر.
كما للوالدين والأولاد، فروض بينهما تجاه الآخر. أي واجبات على الوالدين وعلى الأولاد. ومن أشدّ الفروض الإلهية أن يؤدّي الوالد والوالدة، ما وجب عليهما تجاه الأولاد. وبالعكس، للوالدين حقوق واجبة على الأولاد. فهل الأولاد، من بنين وبنات، يؤدّون حقوق الوالدين؟ فكثير منهم يرسب في هذا الأمر. وهكذا على صعيد الأرحام، بعضهم مع بعض، سواء الرحم القريب أو البعيد. فحقوقهم مفروضة من الله. وكم من الأرحام يؤدّون هذه الفروض؟
إنّ قطيعة الرحم من أشدّ المحرّمات. وقد فرض الله تعالى على كل رحم أن لا يقطع الرحم الآخر. وهكذا حقوق الزوجين والأولاد، والجيران، وفي المستوى الرفيع، أي حقّ الجهّال على العلماء، وحقّ العلماء على الجهّال. فالله تعالى لم يفرض على الجهّال أن يتعلّموا إلاّ بعد أن فرض على العلماء أن يعلّموا. أي إنّ الله تعالى أوجب على العلماء أن يعلّموا الجاهلين ما يجب عليهم، وفرض على الجهّال أن يتعلّموا من العلماء. فالله تعالى فرض أولاً على العالم أن يعلّم الجاهل، ثم أوجب ثانياً على الجاهل أن يتعلّم من العالم الذي يُعلّم. وإذا لم يُعلّم العالم، كذلك يجب على الجاهل أن يتعلّم. وهذان فرضان، فرض على العالم أن يعلّم، كما كان هكذا الأنبياء عليهم السلام. وفرض على الجاهل أن يتعلّم. فالفرض على العالم قبل الفرض على الجاهل. وهذا الأمر، كم يعملون به أيضاً؟
في المستوى الرفيع، أي على مستوى الحكومات والشعوب، فالحاكم عليه حقوق واجبة للشعوب والأمم. فعليه أن يعدل بين الرعية، أي عليه بالعدالة. ومقياس العدالة في الحاكم هو مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله. ومقياس العدالة هو الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فقد قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه، في نهج البلاغة وغيرها: إنّ الله فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس. ولم يقل أئمة جور وظلم وفسق، لأنهم لا يبالون أصلاً. وهذه الكلمة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، لا نجدها في التاريخ، ومع الأسف الشديد، بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، إلاّ عند الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، فقط. فقد قالها الإمام صلوات الله عليه وعمل بها بكل دقّة.
الحاكم العادل حقّاً، واجب من الله عليه، وفرض من الله عليه أن يرى في حكومته ورعيته وفيمن يحكمهم، من هم الضعفاء فتكون معيشته مثلهم. وأين نجد لذلك مثالاً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله غير عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه.
سئل الإمام الصادق صلوات الله عليه أنّه هل شبع أمير المؤمنين من خبز برٍّ قطّ؟ أي هل شبع ولو مرّة واحدة من أكل خبز حنطة؟ فقال الإمام صلوات الله عليه: ما دخل جوفه بُرٍّ قطّ، وما شبع من خبز شعير قطّ. وهذا حقّ جعله الله تعالى للرعية على الإمام العادل، وحقّ جعله الله للشعب على الحاكم العادل. نعم كل يراعي على مستواه.
يوم كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه حاكماً أعلى لأكبر حكومة على وجه الأرض، خلال خمس سنوات تقريباً، خطب بالناس ذات مرّة، وقال: دخلت بلادكم بأشمالي هذه ورحلتي وراحلتي ها هي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنّني من الخائنين. وفي رواية أخرى أنّه صلوات الله عليه قال: ياأهل البصرة ما تنقمون منيّ؟ أن هذا لمن غزل أهلي، وأشار إلى قميصه. فأين يجد التاريخ مثل عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وهذا لا يوجد في طول التاريخ. والذين سمّوا أنفسهم خلفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله، ماذا عملوا؟ ولماذا الدنيا، من غير المسلمين، تفرّ من الإسلام؟ أليس إلاّ لما صنعه الذين سمّوا أنفسهم خلفاء، وظلموا، وصنعوا ما صنعوا.
على كل حال، إنّ الإنسان، كل في مستواه، عليه أن يواظب في أن يؤدّي حقوق الآخرين المفروضة عليه. فالزوجة تؤدّي حقوق الزوج، والزوج يؤدّي حقوق زوجته. وهكذا الوالدين والأرحام والبائع والمشتري، كل في مستواه، وعلى شتّى المستويات.
أذكر لكم بهذا الصدد قصّة من الواقع، وهي: عاش في الأيام السالفة في العراق أخوان مع بعضهما. وكان الأخ الأكبر ثرياً وتاجراً، أما الأخ الأصغر فكان يعمل عنده لأنه لم يكن يملك شيئاً، وكان الأخ الأكبر بمثابة الوالد لأخيه الصغير، حيث كان يدير حياته ويرعاه. وقد عمل هذان الأخوان مع بعضهما لسنين وكأنهما شريكان، ولم يكن بينهما أي حساب. فالأخ الأصغر عاش وتزوّج وكوّن عائلة بمال أخيه الأكبر، الذي سمح لأخيه أن يأخذ من ماله كلما احتاج وبدون أن يستأذنه، ولم يعلم أحد بذلك حتى أبناؤهما, ومرّت السنين فمات الأخ الأكبر. وحينما كان الأخ الأصغر مشغولاً بمراسيم دفن أخيه الأكبر ،كانت عائلة الأخير قلقة ومضطربة حيث كانوا يظنّون أن العمّ سيضع يده على كل الأموال والممتلكات، بل وعلى إرثهم أيضاً، ولأنهم لم يكونوا يملكون مستمسكاً أو موثقاً يدلّ على ملك أبيهم للأموال والممتلكات، أو ما يدلّ على أن أباهم كان شريكاً لأخيه الأصغر. فباتوا في حيرة من أمرهم، أيصبرون أم يفتحون الكلام مع عمّهم حول الأمر المذكور؟ ولكن بعد أيام زارهم العمّ وعزّاهم بوفاة والدهم وفاجأهم بقوله:
كان أكثر الناس يتصورون بأنني وأخي المرحوم كنا شريكين ولعلّه أنتم أيضاً كان لكم التصوّر نفسه، لكن الحقيقة هي شيء آخر. فهذه الأموال كلّها هي من مكاسب ثروة أخي المرحوم، وأنا لا سهم لي فيها، لأني منذ البداية عملت معه بصفتي عامل ليس إلاّ. وهذه مفاتيح المحلاّت والأسواق وكل ممتلكات أبيكم أضعها بين أيديكم. فإن كنتم راغبين في أن أستمر على عملي هذا بصفتي عامل لأبيكم فسأبقى، أما إذا كنتم غير راغبين فسأجمع كل السجلاّت والإضبارات والعقود والأملاك وأُسلّمها إليكم يوم غد.
أما عائلة المرحوم الذين لم يكن بحسبانهم هذه المفاجأة وتقوى الله وحفظ الأمانة من عمّهم فشرع جميعهم بالبكاء وأجابوا عمّهم: من هو أفضل منك؟ ابق واستمر.
بلى، هذا إنصاف الناس من أنفسهم. وهذا من الفرض الشديد. وهذا الأخ هو من البشر، وإنسان، ومؤمن، فعلينا أن نقيس أنفسنا، بعد المعصومين صلوات الله عليهم، بأمثال هذا الشخص. فقد يأتي الرجل يوم القيامة وعليه حقوقاً كثيرة ضيّعها. والمرأة تأتي يوم القيامة وعليها حقوقاً كثيرة ضيّعتها، والعياذ بالله. وهكذا الحقوق مع الوالدين، ومع الزوج، والزوجة، والأرحام، والآخرين، وغيرهم.
إذن، لنحاول في هذه المناسبة العظيمة، أيّام ذكرى مولد سيّدنا الإمام الحسين صلوات الله عليه، أن نعمل بالحديث الشريف الذي صدّرنا به الكلام، وبالفرض الشديد، كلّ في مستواه.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقني ويوفّقكم وجميع المؤمنين والمؤمنات في كل مكان لذلك. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
----------------------------------------------------------
(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف
© Alhawza News Agency 2017
© Alhawza News Agency 2019