أخبار المراجع والعلماء

السيد الخامنئي: لا يمكن لنمط الحياة الغربية الفاسد أن يتغلغل في الجمهورية الإسلامية التي ترتكز على الإسلام والقرآن

السيد الخامنئي: لا يمكن لنمط الحياة الغربية الفاسد أن يتغلغل في الجمهورية الإسلامية التي ترتكز على الإسلام والقرآن

السيد الخامنئي: لا يمكن لنمط الحياة الغربية الفاسد أن يتغلغل في الجمهورية الإسلامية التي ترتكز على الإسلام والقرآن

(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

أرحّب بكلّ الإخوة والأخوات الأعزاء. والحق أن مجتمع المعلمين مجتمع عزيز ومحبوب لدى كل من يعرف قيمة التعليم والتربية.

إنه شهر شعبان، شهر التوسل والدعاء والتوجّه إلى الله. وهو تمهيد لشهر رمضان. شهر وردت وأوضحت في أدعيته المأثورة سبلُ سعادتنا. «اِلَهي هَب لي قَلباً يدنيهِ مِنك شَوقُهُ ولِساناً يرفَعُ اِلَيك صِدقُهُ ونَظَراً يقَرِّبُهُ مِنك حَقُّه ... اِلَهي هَب لي كمالَ الاِنقِطاعِ اِلَيك» (2). هذه هي الآمال السامية لأولياء الله علموها لنا على شكل ألفاظ ليعملوا على هداية أذهاننا نحو ما ينبغي أن نريده ونطلبه، ونحو السبيل الذي يجب أن نسير فيه، ونحو نوعية الارتباط الذي يجب أن يكون لنا مع الله. أعزائي، أيها الشباب، أيها المعلمون الأعزاء، اعرفوا قدر هذه الفرصة وانتهلوا من شهر شعبان. النصف من شعبان ذكرى الولادة المباركة لسيدنا بقية الله (أرواحنا فداه). إنها ليلة ويوم مباركان حقاً ببركة هذه الولادة المقدسة. وبالإضافة إلى ذلك فإن ليلة النصف من شعبان نفسها ليلة عظيمة جداً. وقد قال البعض عنها إنها ليلة القدر. سجلوا في ذاكرتكم ليلة النصف من شعبان وأحيوا فيها أنفسكم ورققوها بالدعاء والتوسل وذكر الله، واطلبوا طلباتكم من الله تعالى وتحدثوا معه.

بمناسبة يوم المعلم نحيّي ذكرى شهيدنا العزيز الجليل المرحوم آية الله مرتضى مطهري (رضوان الله تعالى عليه)، فقد كان معلماً بحق. لقد كان معلماً ومدرساً بالمعنى الحقيقي للكلمة، سواء بلسانه أو بعمله أو بأسلوب حياته أو بطريقة سلوكه مع الزمن وأهل الزمان. وقد فقدناه. سلبه منا أعداء الإنسانية وأعداء البلاد وأعداء الإسلام، لكن آثاره والحمد لله باقية. إنني أوصي بجد - وقد أشار السيد الوزير وإشارته صحيحة تماماً - بأن تستفيدوا وتنتفعوا ما استطعتم من آراء ذلك الإنسان الكبير، سواء في مجال شؤون التربية والتعليم أو في المجالات الأخرى، فكتبه تهدي الذهن وتربّيه وتغنيه وتملؤه بالمعارف الإسلامية الصحيحة الرصينة.

هناك ثلاثة مواضيع لديّ حول كل واحد منها جملة من النقاط أذكرها لكم: الموضوع الأول حول المعلم، والثاني يتعلق بالتربية والتعليم، وأشير باختصار إلى نقاط حول الانتخابات التي تمثل قضية الساعة عندنا، وهو ما سأتحدث عنه إن شاء الله.

حول المعلم نقول إن أهميته تكمن في أن كل الطبقات والشرائح المتعلمة في البلاد مدينة لشريحة المعلمين، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. أي إنسان واع ومثقف وعالم ودارس ومتعلم تأخذونه بنظر الاعتبار تجدونه مدين للمعلم. لشريحة المعلمين مثل هذه المكانة. يتفق الجميع على أن قوة بلد ما واقتداره واعتباره وسمعته تعود أكثر ما تعود إلى طاقاته الإنسانية، صحيح؟ هذا ما يتفق عليه الجميع. طيب، من الذي يصنع الطاقات والكوادر الإنسانية؟ من الذي يعدّ الطاقات الإنسانية؟ من الذي يفعّل الطاقات البشرية؟ المعلم. لاحظوا، هذه هي القيمة والمؤشرات الحقيقية لقيمة المعلم.

لماذا نقول هذا؟ أولاً لكي يعرف مجتمع المعلمين نفسه قيمة هذه المكانة وقدرها ورفعة هذه المهنة، فهذا شيء مهم جداً. لقد كان كلاماً جيداً جداً قاله السيد الوزير وقد استمتعتُ حقاً لهذا الكلام الذي يقول إن المعلم ليس مجرد موظف في دائرة، إنما المعلم له منزلة ومكانة ومقام. على المعلم نفسه بالدرجة الأولى أن يعلم هذا الشيء. إذا علمنا كرامتنا في أي قطاع من القطاعات فلن نرضى بالانحطاط والتراخي والتلوث بالأدران. هذا بالدرجة الأولى، ثم يجب على المجتمع أن يعرف قدر المعلم ويحترمه ويكرّمه. ثم ينبغي على المسؤولين أن يدركوا هذه الأهمية. قلتُ مراراً إن التربية والتعليم والإنفاق على المعلم إنما هو استثمار. فلينفقوا على المعلم وليخصصوا له. هذه إحدى واجباتنا، أي واجبات مسؤولي البلاد وواجبات الحكومة.

ونقطة أخرى يجب ذكرها على هامش هذا التكريم والثناء على المعلم، هي أن على المعلمين إعداد أنفسهم لهذه المسؤولية الكبرى. كيف يعدّ المعلم نفسه وبماذا؟ بالوسائل التي توفرها له أجهزة البلاد ومؤسساتها. لذلك أؤكد الآن هنا بأن ينظر المسؤولون نظرة جادة لجامعة التربويين. لينظروا بجدّ لجامعة التربويين التي تنتج المعلمين والتربويين وتخرّجهم، وليستثمروا في هذا الشأن ما استطاعوا الاستثمار، فمن زاوية من الزوايا يمكن القول إن أهمية هذه الجامعة أكبر من أهمية كل الجامعات الأخرى.

كل معلم هو في الوقت ذاته مربّي أخلاق أيضاً أي إنه معلم أخلاق أيضاً. قد يكون معلم رياضيات، أو معلم فيزياء، أو معلم طبيعيات، لكنه في الوقت نفسه معلم أخلاق أيضاً. افترضوا مثلاً أن المعلم في الصف أثناء درس الهندسة أو درس الكيمياء، قد تجري على لسانه كلمة حول الشؤون المعنوية أو التوحيد تؤثر وتبقى أحياناً في ذهن التلميذ أكثر من كتاب كامل. يمكن للمعلم أن يؤثر بأخلاقه وطباعه، فالمعلم الخلوق يربّي وينمّي الأخلاق لدى التلميذ. المعلم العزيز النفس، المعلم الصبور، المعلم المتدين، المعلم الرزين ينقل هذه السمات والخصال بسلوكه إلى تلاميذه، حتى لو لم ينطق بكلمة واحدة في هذه المجالات. هذا هو دور المعلم. إذن، وظيفة المعلم على جانب كبير من الأهمية. ولهذا اعترضتُ دائماً منذ سنين على الذين يريدون استخدام المعلمين كأداة في الميادين السياسية، فهذا جفاء للمعلمين. وهذا الأمر لا يتعلق باليوم بل يعود إلى سنيّ عقد السبعينيات [التسعينيّات من القرن العشرين للميلاد]. كان البعض يقومون بمثل هذه الممارسات. هذه هي مكانة المعلم، ولا يمكن استخدام هذه الماسة الثمينة كحصاة صغيرة نتلاعب بها. للمعلم شأنه ومنزلته. هذه هي منزلة المعلم.

طبعاً علمتُ هنا أنه في المستقبل غير البعيد سوف يتقاعد عدد كبير جداً - ولا أروم ذكر الأرقام الآن - من المعلمين، وستكون هناك حاجة إلى معلمين. هذه من جملة الاحتياجات القريبة جداً في جهاز التربية والتعليم. طيب، ماذا نفعل؟ لنفترض أن سعة جامعة التربويين وجامعة الشهيد رجائي هي الأخرى لا تكفي، فماذا نفعل؟ هل نفتح الباب ونسمح للأفراد بالدخول إلى جهاز التربية والتعليم هكذا من دون ضوابط وحسابات؟ لا، ينبغي التفكير بالأمر. أولاً ينبغي رفع سعة هذه الجامعات التي تخرّج المعلمين قدر الإمكان، هذا على رأس الأولويات. وإذا لم يكف هذا فينبغي وضع ضوابط. فلتجتمع المراكز والمؤسسات الأساسيّة المسؤولة وتعيّن ضوابط لاستقطاب المعلمين. كانت هذه إشارة حول المعلم.

أما حول التربية والتعليم، فالتربية والتعليم هي البنية التحتية الأساسيّة للعلم والبحث العلمي في البلاد. البنى التحتية للبلاد على جانب كبير من الأهمية. البنى التحتية الهندسية للبلاد، والبنى التحتية العلمية للبلاد، البنى التحتية الأدبية والثقافية للبلاد، هذه أمور مهمة للغاية. عندما تكون البنى التحتية في بلد ما في قطاع معين من القطاعات متوفرة فسيكون الإنتاج في ذلك القطاع سهلاً ممكناً. التربية والتعليم هي البنية التحتية للعلم والبحث العلمي. إذا تابعت التربية والتعليم مساراً صحيحاً عبر سياساتها وسلوكها وتخطيطها الصائب، فإن هذه البنية التحتية ستتقوى وتتطور يوماً بعد يوم، وسوف تتطور البلاد في مجال العلم والبحث العلمي وهو احتياجاتنا الأصلية والأساسية والطويلة الأمد والمتوسطة الأمد والقصيرة الأمد، هذه هي أهمية التربية والتعليم. لو تركنا التربية والتعليم لحالها ولم ندقق بالمقدار اللازم، وحدثت مشاكل في التربية والتعليم، فسوف تتعرض هذه البنية التحتية للضرر، وعندئذ لن يمكن أساساً حساب هذه الأضرار وتقديرها.

في زمن ما عندما كنا طلبة علوم دينية في مدينة قم، كان هناك خياط فاهم عالم في قم يخيط ملابس طلبة العلوم الدينية وجببهم. وقد خاط ذات مرة جبّة لأحد العلماء المعروفين في قم آنذاك. ويبدو أن ذلك العالم أشكل إشكالاً ما على الجبّة التي خاطها له ذلك الخياط، فقال له الخياط: «سيدي، اِذا فسد الخياط، فَسَدَ القَبا؛ امّا اِذا فَسَدَ العالِم، فَسَدَ العالَم» (3). إذا لم أقم بواجبي على نحو صحيح فإن جبّتك أو قباءك سوف تكون فيه مشكلة صغيرة في موضع ما منه، ولكن إذا كانت فيك أنت مشكلة لا سمح الله فإن العالم سيفسد. إذا فسدت التربية والتعليم لا سمح الله فلاحظوا ما الذي سيحدث في البلاد.

واجب التربية والتعليم تربية جيل وإعداده. عندما نلقي نظرة متوسطة الأمد فإن التربية والتعليم تريد أن تربّي جيلاً لفترة مستقبلية. كيف ستربّي هذا الجيل؟ وماذا ستخرّج؟ يجب أن تستطيع التربية والتعليم تربية جيل مؤمن، فالإيمان هو الأساس. الأولاد اللاأباليون المتذبذبون غير الملتزمين بأيّ شيء سوف لن يكونوا مفيدين في مستقبل البلاد، لا لأنفسهم، ولا لبلادهم، ولا لمجتمعهم. الإيمان أولاً. جيل مؤمن متدين، وفيّ، يتحمل مسؤولياته، وله ثقته بنفسه، وله إبداعاته وابتكاراته، جيل صادق، وشجاع، وله حياؤه، وله فكره، جيل يكون من أهل التفكير، ومن أهل استخدام الفكر، جيل يعشق بلاده، ويعشق نظامه، ويعشق شعبه، جيل يحبّ بلده، ويعتبر مصالح بلده مصالحه الشخصية، ويدافع عنها، يجب تربية وتخريج مثل هذا الجيل. جيل قوي متين عازم جازم مبدع رائد فعال، لا بدّ من هكذا جيل. وهذه هي وظيفة التربية والتعليم. لاحظوا أية وظيفة مهمة هذه. أقول وظيفة التربية والتعليم، ولا أقول وظيفة المعلم، مع أن المعلم هو الوسيلة، بيد أن المعلم ليس وحده عامل إيجاد وتكوين مثل هذا الجيل، فالتربية والتعليم هي التي توفر الأجواء للمعلم وللتلميذ ولأولياء أمور التلاميذ وللمخططين ولكتّاب الكتب المدرسية، وهذه العوامل كلها مؤثرة، والتربية والتعليم هي التي تقوم بهذه المهمة.

تنبهوا لهذه النقطة، فالتقارير التي تصلني تشير إلى أن هناك تياراً - وأنا أشعر أن هذا تيار - في البلاد يحاول إسقاط التربية والتعليم من الأعين والأنظار، ويريد إزالة قيمة التربية والتعليم والثقة بالتربية والتعليم من القلوب. إن لهم مقاصدهم، وهو تيار يوجّه من الخارج. وقد ينزعج البعض ويتبرّمون بمجرد أن نقول إن هناك أيد خارجية، فيقولون إنكم تهاجمون الأجانب دائماً! لا، إننا نرى نقاط ضعفنا، وإذا كنا أقوياء فلن يستطيع ذلك الأجنبي ارتكاب أية حماقة، لكنه يستغل نقاط ضعفنا هذه ويخطط ويرسم الخطط ويتغلغل ويحرّف ويعوّج الطرق المستقيمة.

من المؤاخذات على نظامنا في التربية والتعليم هو مرض النزعة الجامعية. ثمة على مستوى بيئتنا الطلابية وبين التلاميذ نزعة جامعية، بمعنى أنه لو أراد شخص أن يدرس ولا يصل إلى المرحلة الجامعية فكأنه لم يدرس. هذا خطأ، هذا غلط، لا لزوم لهذا. لدينا في البلاد الكثير من الاحتياجات الفورية والفوتية واللازمة والمهمة مما لا يحتاج إلى دراسات جامعية، ومما لا يحتاج إلى شهادات دكتوراه وماجستير وغير ذلك. ولهذا السبب أكدت طوال سنين - عدة مرات لحد الآن - على الثانويات الصناعية والتقنية. ينبغي تقوية هذه القطاعات المتعلقة بالمدارس التقنية والصناعية وزيادتها. الكثيرون عملوا عبر دراستهم في المدارس الصناعية، وتطوروا عن طريق المدارس التقنية، وتعلموا وأتقنوا ما يريدون القيام به وجاءوا وانخرطوا في العمل فأمّنوا حياتهم المادية وحافظوا على حيويتهم الروحية وبهجة نفوسهم، وهم بذلك يخدمون المجتمع، فهل هذا أفضل أم ذلك الذي يتحمل العناء ويحصل على شهادة دكتواره لكنه يبقى عاطلاً عن العمل، فلا يجد عملاً، أو إذا وجد عملاً يكون عمله سطحياً قليل القيمة في الجهاز الفلاني أو الدائرة الفلانية، يقال له اجلس هناك بصفتك مستشاراً أو ما شاكل! ما فائدة كل هذه الدراسة وكل هذه الجهود والمشاق؟ النزعة الجامعية نزعة خاطئة.

نعم، نحن بحاجة إلى العلم والتحقيق والبحث العلمي. لن يكون كثيراً مهما تطورنا في المجالات العلمية. إنني أقول هذا منذ سنين وقد تطورنا والحمد لله، بيد أن هذا لا يعني أن كل من يدخل الإبتدائية أو الثانوية يجب أن يعتبر الجامعة هدفه، لا، هناك آلاف الأعمال والمشاغل لا تحتاج إلى جامعات ولا تحتاج إلى تلك التكاليف الجسيمة ولا تحتاج إلى تلك الحماسة والأشواق والمواهب الجامعية. يجب أن لا ننسى هذه الأمور، فهذه ثرواتنا، هذه ثرواتنا. هذا الشاب الذي يستطيع الدراسة في المدارس التقنية الصناعية ويصل إلى نتيجة ما - في أي مجال كان، في مجال الفنون، أو في مجالات الصناعة، أو في المجالات التقنية أو غيرها - هو ثروة وطنية وهو ثروة للبلاد، فيجب الاستفادة منه.

وقضية مهمة أخرى هي قضية ميثاق التحول في نظام التربية والتعليم. لقد اجتمع الأعزاء والمسؤولون أصحاب التجارب والسوابق وتحملوا جهوداً وأنتجوا ميثاق التحول، وقد تم تبليغ هذا الميثاق للجهات المعنية، وقد بدأ المشروع وانطلق لتنفيذه، ولكن مضت على ذلك الحين لحد الآن خمسة أو ستة أعوام، لكنه لم ينفذ، لماذا؟ إلى متى ينبغي القعود حتى يتم تنظيم تلك النظم الداخلية التي يقال إنه ينبغي تنظيمها على هامش ميثاق التحول هذا؟ ينبغي القيام بهذا العمل سريعاً. يتبين من هذا أن التحمّس والتشوق اللازم غير متوفر، والدوافع اللازمة غير متوفرة. إنني أطلب بجدّ من الوزير المحترم والمسؤولين المحترمين أن يأخذوا قضية ميثاق التحول هذه بعين الجد. نظامنا التربوي والتعليمي بحاجة إلى تحول. ميثاق التحول هذا يدل على أننا بحاجة إلى تحول. والتحول ليس مجرد تغيير في ظواهر الأمر، إنما ينبغي القيام بعمل عميق. كما يقول متخصصو هذه العملية - وأنا غير متخصص في هذه المسألة - يمكن لميثاق التحول هذا حسب ما يبدو أن يضمن عملية التحول. ينبغي متابعة هذه القضية.

وأشير هنا إلى قضية أخرى: ميثاق 2030 الخاص بالأمم المتحدة واليونسكو وما إلى ذلك (4) ليس بالشيء الذي يمكن للجمهورية الإسلامية أن تخضع وتستسلم له. ما الداعي لأن تأتي مجموعة دولية كما تسمى - وهي خاضعة بالتأكيد لنفوذ وسيطرة القوى الكبرى في العالم - ويكون من حقها تقرير ما ينبغي أن تقوم به البلدان المختلفة والشعوب المتنوعة والحضارات المختلفة بسوابقها التاريخية والثقافية المتنوعة، وتقول لهم يجب أن تعملوا بهذه الطريقة؟ أساس القضية خطأ. إذا لم تستطيعوا معارضة القضية من أساسها، فلا أقل من أن تقفوا وتقولوا إن للجمهورية الإسلامية منهجها وخطها وطريقها، وأن لدينا مواثيق رئيسية، ونعلم ما الذي يجب أن نقوم به في مجالات التربية والتعليم والأخلاق وأسلوب الحياة، ولا حاجة بنا إلى هذا الميثاق. أنْ نوقع ذلك الميثاق ثم نبدأ بتنفيذه دون ضجيج، فلا، هذا غير جائز على الإطلاق، وقد أعلنا ذلك للأجهزة المسؤولة. ولديّ عتابي على المجلس الأعلى للثورة الثقافية، إذ كان ينبغي أن يدققوا ولا يسمحوا بتطور الأمر إلى هذا الحد بحيث نضطر نحن إلى منعه ونتدخل في القضية. هنا جمهورية إسلامية، والأساس هنا هو الإسلام والقرآن. ليس هنا مكان يمكن أن يتغلغلوا وينفذوا فيه بأسلوب الحياة الغربي المعيب الهدام الفاسد. طبعاً هم يمارسون نفوذهم للأسف ويتغلغلون من مسارب شتى، ولكن أن يعطونا بشكل رسمي ميثاقاً يقول يجب عليكم أن تكونوا هكذا وتفعلوا هكذا على مدى خمسة عشر عاماً، ونقول لهم نعم، فهذا عمل لا معنى له.

طيب، لقد طال الكلام، ولدينا الكثير مما نقوله لكم أيها الأعزاء في التربية والتعليم. هناك من الكلام أضعاف ما قلته يمكن أن نطرحه عليكم، ولكن لا مجال لطرح كل تلك النقاط الآن، وقد طال بنا المقام بعض الشيء، ولكن أشير إلى نقطة بخصوص الانتخابات.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء ويا كل الشعب الإيراني ممن ستسمعون، اعلموا أن الانتخابات قضية حيوية، لا هذه الانتخابات على وجه الخصوص، بل كل الانتخابات التي تقام في البلاد، وخصوصاً انتخابات رئاسة الجمهورية وهي الأهم من كل الانتخابات، الانتخابات حيوية حقاً للبلاد في كل الفترات، إنها مهمة من حيث الانتخابات نفسها، وهذه قضية مهمة، فالنظام هو جمهورية إسلامية، جمهورية، ونحن نظام جمهورية، ومناصبنا ومسؤولياتنا نابعة من جمهور الشعب، ومن الشعب، وينبغي أن نحافظ على هذا الشيء بمنتهى الدقة، فهو شيء قيم جداً. لو لم تكن هذه الانتخابات في نظام الجمهورية الإسلامية لما بقي اليوم أثر للنظام الذي أقامته الثورة الإسلامية. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. هذا المعنى ينبثق من صميم الإسلام ويستفاد من أساس الإسلام، وليس الأمر إننا أخذنا الجمهورية وأضفناها إلى الإسلام، لا، فالإسلام نفسه يعلمنا هذا الشيء، وهذه بحد ذاتها قضية. ولكن بالإضافة إلى ذلك فإن الشيء الضروري بشكل فوري وفوتي لإدارة البلاد وصيانتها وصيانة مصالح الشعب هو تواجد الشعب ومشاركته وحضوره، فتواجد الشعب هو الذي يحل العقد، وتواجده هو الذي يخيف الأعداء من هيبة الجمهورية الإسلامية. هذا واقع فاعرفوه.

للجمهورية الإسلامية هيبتها في أنظار الأعداء، فمن أين تنشأ هذه الهيبة؟ هل تنشأ من أمثالي؟ أبداً، بل تنشأ من الشعب ومن هذا التواجد الشعبي الهائل، ومن هذه المشاعر والعواطف التي تفصح عن نفسها في كل الميادين والساحات. حين أقول هذا فلا يأتوا ويأوّلوا ويفسّروا كلامي الصريح ويقولوا: «لا، فلان يقصد أن مشاركة الشعب هذه جاءت بحكومة معينة وهذه الحكومة هي التي تبعث الهيبة»، لا أبداً، الحكومات ليس لها تأثير. هل نسيتم في عقد السبعينيات [التسعينيات من القرن العشرين للميلاد] أن إحدى الحكومات الأوربية اتهمت رئيس جمهوريتنا واستدعته للمحكمة؟ (5) رئيس جمهورية إيران! مع أن رئيس الجمهورية وحكومته آنذاك كانت لهم علاقات قريبة جداً، فكان بينهما مبادلات، ويبعثون المندوبين والممثلين، ويرسلون الرسائل، وقد يتحدثون هاتفياً أحياناً - ولا أتذكر هذه المحادثات الهاتفية ولكن كانت هناك دوماً رسائل ومراسلات - وكان يبدي الصداقة، لكن نفس تلك الحكومة استدعت رئيس جمهوريتنا كمتهم إلى محاكم بلادها على الرغم من إبداء الصداقة والمودة والمحبة! ولطمناها على فمها حتى تراجعت، ولو لم تتلق صفعة على فمها لتمادت واستمرت، فالعدو عدو، ولا يعرف هذه الحكومة أو تلك الحكومة. يمارس العداء إذا استطاع وينفث سمومه إذا استطاع، ولا يلاحظ أي أحد، ولا يقيم وزناً على الإطلاق لطلاوة اللسان والحذلقة الكلامية والكلمات والمواقف السياسية وما إلى ذلك، فهو عدوّ على كل حال. الشيء الذي يحول دون أن يمارس العدو عداءه هو خوفه من تواجد الشعب، فهو يرى أنه لو مارس عداءه فستكون النتيجة عكسية، لأن هناك بلداً من ثمانين مليوناً يقف بوجهه. وهل هذا مزاح؟ نحن سكان من ثمانين مليوناً، بلد عظيم، بشعب واع فطن، وبطاقات إنسانية قوية، وبكل هؤلاء الشباب، هذا ما يخلق الهيبة والأبّهة في عين العدو، ويبعث على عظمة نظام الجمهورية الإسلامية. تفطنوا إلى هذا المعنى.

إذا أردتم لهذا الشعور ولهذه العظمة ولهذه المناعة أن تبقى لنا فيجب أن تشاركوا في الانتخابات. وإذا أردتم لنظام الجمهورية الإسلامية أن يحافظ على اقتداره في أنظار العالم - سواء العدو أو الصديق - فيجب أن تشاركوا في الانتخابات. المشاركة في الانتخابات يحفظ اقتدار البلاد ويحافظ على هيبة البلاد ومناعتها. إذا حصل تقصير في خصوص الانتخابات، وإذا عملت عوامل على تثبيط الشعب وبث اليأس فيه وحصل تقصير في الانتخابات، فسوف يضرّ ذلك بالبلاد وستتلقى البلاد ضربة، وكل من يكون مساهماً في هذه الضربة فهو مسؤول أمام الله تعالى. ينبغي على الجميع المشاركة في الانتخابات. طبعاً الأذواق والآراء متباينة والأذواق السياسية مختلفة، أنت يعجبك زيد وأنت يعجبك عمرو، وتصوّت أنت لزيد وتصوّت أنت لعمرو، لا إشكال في ذلك، وهذه الأمور ليست مهمة، المهم أن يشارك الجميع ويحضروا ويدللوا على أنهم مستعدون للدفاع عن النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية وحماية بلدهم وصيانته. واعلموا أنه لو بقيت هذه الهمّة والإرادة - بحول الله وقوّته - في شعبنا بنفس هذه الشدّة والهيبة الموجودة فلن يستطيع العدو ارتكاب أية حماقة ضد البلاد.

اللهم، اجعل ما قلناه وسمعناه لك وفي سبيلك. اللهم اشمل أرواح الشهداء الطاهرة وروح الإمام الخميني الجليل، وأرواح كبار شخصيات الإسلام الطيبة برحمتك ولطفك.

والسّلام عليكم ورحمة الله.

 

الهوامش:

1 - في بداية هذا اللقاء ألقى فخر الدين أحمدي دانش آشتياني وزير التربية والتعليم الإيراني كلمة بالمناسبة.

2 - إقبال الأعمال، ج 2 ، ص 687 ، المناجاة الشعبانية.

3 - ضحك الحضور.

4 - ميثاق 2030 التعليمي لليونسكو، بمنحى التأثير على كل المجالات التعليمية للبلدان، عرض سنة 2015 م في منظمة الأمم المتحدة لتنفيذه عملياً من قبل البلدان. وقد شاركت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيضاً في ذلك الاجتماع وتعهدت بتطبيق هذا الميثاق، وصادقت سنة 2016 م على الميثاق الوطني التعليمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية 2030 .

5 - إثر إعلان الحكم النهائي لمحكمة ميكونوس في برلين في نيسان 1997 م وجّهت هذه المحكمة الألمانية التهمة لعدة أشخاص منهم رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آنذاك

 

----------------------------------------------------------
(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف
© Alhawza News Agency 2017

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار