أخبار المراجع والعلماء

المرجع اليعقوبي: كيف نستفيد من حياة الإمام السجاد (عليه السلام) في مواجهة التحديات الراهنة

المرجع اليعقوبي: كيف نستفيد من حياة الإمام السجاد (عليه السلام) في مواجهة التحديات الراهنة
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على نبيه محمد وآله الطاهرين

وصف الله تبارك وتعالى القرآن بأنه (تبيان لكل شيء) وقال عز من قائل عنه [مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ] (الأنعام:38) وما على الإنسان إلا أن يستثير كوامنه ويستخرج درره وجواهره بالوسائل التي تؤهله لهذا الحرث (فمن يرد حرث الآخرة نزد له في حرثه) وأولها الإخلاص لله تبارك وتعالى وتطهير القلب من الرذائل والنفس من الأهواء وثانيها طلب العلم والمعرفة على يد المؤهلين الصادقين (فلينظر الإنسان إلى طعامه).

وقد دلّت الأحاديث الشريفة بل الآيات المباركة على أن أهل البيت (عليهم السلام) هم عدل الكتاب وصنوه كما في حديث الثقلين المشهور، وإنهما لن يفترقا فحيثما تجد القرآن تجد أهل البيت (عليهم السلام) وكل ما تريد أن تعرفه من الكتاب تجده في صدور أهل البيت (عليهم السلام) مجسداً في سلوكهم لذا لما قيل لإحدى أمهات المؤمنين صفي لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت: كان خلقه القرآن، فلو حولّت القرآن إلى سيرة عملية لكانوا هم (عليهم السلام)، ولو دوّنت سيرتهم (عليهم السلام) في كتاب لكان هو القرآن فهم (عليهم السلام) كتاب الله الناطق قال تعالى [فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ] (الواقعة:78،79) أي أن حقائق هذا القرآن ومعارفه في اللوح المحفوظ المكنون ولا يصل إلى هذه الحقائق ويطلّع عليها إلا المطهرون الذين أذهب الله عنهم الرجس وهم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنص القرآن الكريم [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً] (الأحزاب:33)([2]).

ومحل الشاهد من هذه المقدمة العميقة أن سيرة أهل البيت (عليهم السلام) كتاب مفتوح تجد فيه العلاج الناجح لكل مشاكلنا وأمراضنا والجواب الشافي لكل هواجسنا وتساؤلاتنا؛ لأن في سيرتهم تبياناً لكل شيء وما علينا إلا أن نفهمها فـهما صحيحاً ومعمقاً وجديدا بعد أن نـقرأ الواقع الخارجي بدّقة، ونشخص مواطن العلة وما أحوجنا نحن المسلمين اليوم إلى أن نستلهم من تلك السيرة المباركة ما نواجه به التحديات المتكثرة والمتنوعة وأريد أن اتخذ من حياة الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) في ذكرى مولده مضماراً للشواهد على ذلك.

فنحن على أبواب انفتاح واسع على ثقافات العالم من خلال وسائل الاتصال المتطورة، كالبريد الالكتروني والستلايت مما يهّدد هوية المسلم في عقيدته وأخلاقه وسلوكه بالتمييع والانحراف والإعراض بعد أن تأخذه حالة الانبهار بتلك الثقافات، وهو غير متسلح بما يحمي عقيدته ويحفظ له توازنه والإنسان مجبول على الإعجاب بكل جديد، والتهديد الآخر الذي تواجهه الأمة هو الرخاء المادي الذي يمكن أن يحصل في البلد وفق الوضع الاقتصادي الذي بدأت معالمه تتضح، ونحن نعلم أن حياة الدعة والترف تؤدي إلى التوسع في الماديات، والإخلاد إلى الأرض والابتعاد عن القيم الروحية والأخلاقية فيزداد اللهاث وراء الدنيا ولا يقف طمع الإنسان وحرصه على حد.

ومن جهة أخرى فإن حملة موجهة لإفساد الأخلاق وإشاعة الفاحشة والانحلال من خلال الصحف والمجلات والأقراص ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة وهي حملة قوية بما تمتلك من مقدرة ساحرة على التأثير ومدعومة بتقنيات هائلة إضافة إلى موافقتها لشهوات النفس الأمّارة بالسوء والميّالة للهوى.

مثل هذه الأخطار واجهتها الأمة في فترة إمامة زين العابدين حيث اتسعت رقعة البلاد التي شملتها الفتوحات الإسلامية في عهد عبد الملك بن مروان وإخوته وبنيه من تخوم الصين شرقا إلى المحيط الأطلسي غرباً، وقد كانت ثقافة المسلمين وإيمانهم دون المستوى الذي يؤهلهم لاستيعاب هذه الأقوام التي خضعت للمسلمين بثقافاتهم ودياناتهم وأخلاقهم وتذويبهم في الإسلام، بل على العكس فإن عقائد المسلمين تزعزعت وسرى الشك إلى قلوبهم وانتشرت الفاحشة في بلاد المسلمين وشجّع على ذلك ملوك بني أمية الذين كانوا يرون في الإسلام الحقيقي عدوّهم الوحيد، لذلك رحّبوا بهذا الانحراف وعملوا على تكريسه بحيث وصل الأمر إلى أن يصبح الفاسق عمر بن أبي ربيعة المخزومي أشهر رجل في مكة المكرمة، فيتسكع سكراناً في شوارعها وحوله الفاجرات من أمثاله ينشدهن الشعر وهنَّ يغنينه، هذا ولم يمر قرن من الزمان على وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزول الوحي ولازال ثلة من الصحابة على قيد الحياة، فإذا كان هذا هو حال الحرمين المقدسين فما هو حال بقية مدن وحواضر الإسلام ما دام ملك المسلمين يشرب الخمر على منبرهم ويتقيأها في محرابهم ويرمي المصحف الشريف بالسهام مهدّداً إياه.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار