أخبار اسلامية

من الخطابات الفاطمية لسماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله) (السيدة الزهراء واقامة حكم الله تعالى)

من الخطابات الفاطمية لسماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله) (السيدة الزهراء واقامة حكم الله تعالى)
المصدر: واحة _ وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


من الخطابات الفاطمية
لسماحة المرجع الشيخ
محمد اليعقوبي(دام ظله)
(السيدة الزهراء واقامة حكم الله تعالى)


بسم الله الرحمن الرحيم
السيدة الزهراء (عليها السلام)وإقامة حكم الله تعالـى.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ورد في أحاديث شريفة عديدة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (إن لكل شيء حقيقة). وهذه الحقيقة تمثل روح ذلك الشيء ومضمونه الفعلي ومحتواه الذي يتقوّم به، ولا تتحقق للشيء مصداقية إلا به، ولا يكون الشيء بدون هذه الحقيقة إلا عبارة عن شكل وظاهر بلا محتوى.
فالصلاة لها حقيقة وهي المناجاة مع الله تبارك وتعالى والارتقاء إليه والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وتنقص قيمة الصلاة وحقيقتها بمقدار خلوّها من هذه الحقيقة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعداً)
وهذه الحقيقة تحتاج إلى دليل يبرزها ويؤكدها ويثبت وجودها، ومن دونه تكون الأشياء مجرد دعاوى، ويؤكد هذا الأمر الإمامُ الكاظم (عليه السلام) في وصيته لهشام بن الحكم، قال (سلام الله عليه): (يا هشام لكل شيء دليل ودليل العاقل التفكر ودليل التفكر الصمت). فلا بد أن لا نسلّم بالأمور والدعاوى حتى نتحقق من الدليل، ولا نسترخي للأوصاف التي ندّعيها لأنفسنا ونثبتها في هويتنا كالإسلام والتشيع وولاية أهل البيت (عليهم السلام) من دون أن نراقب أنفسنا ونتفقدها باستمرار ونمتحنها لنتلمس الدليل على صدق هذه الدعاوى.
اشار سماحة الشيخ (دام ظله ) الى هذه المقدمة التي تلقي الضوء على واقع مؤسف نعيشه نحن المسلمين وهو أننا ندعي عناوين كثيرة من دون تقديم الدليل على وجود حقائقها بل قد نقوم بالعكس من ذلك، فتخالف أقوالنا أفعالنا، لذا يعلمنا الإمام الحسين (عليه السلام) في الدعاء المروي عنه في يوم عرفه الاعتراف بهذا التقصير أمام الله تبارك وتعالى: (ومن كانت حقائقه دعاوى فكيف لا تكون دعاواه دعاوى)
وأكد سماحته على أهم تلك العناوين التي يجب أن نتأكد من وجود حقيقتها هو الإيمان بالله تبارك وتعالى لأنه أصل الدين وأساس الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة، وتأكيداً لهذه الأهمية فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومون (عليهم السلام) يلفتون نظر الناس إلى تفقد هذه الحقيقة فيسألون من يقولون: (نحن مؤمنون) ويقولون لهم: (فما حقيقة إيمانكم) أو يبدؤونهم بالبيان كقول الإمام الباقر (عليه السلام): (لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال.. إلى آخر الحديث).
وقد بينت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ما تكتمل به حقيقة الإيمان، قال تعالى: [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما]ً
لذا فإن الآية الكريمة تؤكد على أن الإيمان الحقيقي يكتمل بثلاثة عناصر:-
1- الرجوع إلى شريعة الله تعالى التي بلّغها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومون (عليهم السلام) ومن بعدهم العلماء العاملون المخلصون [حَتَّى يُحَكِّمُوكَ] أي يرجعون إليك في كل أمورهم ويأخذون الحكم منك ولا يحكمون غيرك وغير من نصبتهم من الحجج، وإن كل قانون يضعه البشر لم يؤخذ من الشريعة فإنه باطل وينافي أصل الإيمان بالله تعالى ولا يجوز لأحد أن يشرّع ويقنن خارج النصوص الشرعية.
2- أن يسلّموا بتلك الأحكام ويذعنوا إليها ويؤمنوا بها سواء أدركوا المصلحة فيها وعرفوا أسرار تشريعها أو لم يدركوا ذاك، وأن لا يشعروا بالحرج والضيق إذا عاب أحد عليهم هذه الأحكام أو انتقصها أو زعم أنها تخالف حقوق الإنسان وتنافي الحرية والعدالة والمساواة، أو أنها رجعية وتخلف ولا تواكب الزمان الحاضر، ونحو ذلك من التهم والاستفزازات.
3- أن يلتزموا بتلك الأحكام ويطبقوها في حياتهم من دون تبعيض وانتقائية للأحكام التي توافق رغباتهم وأهوائهم ومصالحهم، ويعرضون عنها إذا كانت لا تحقق مصالحهم الضيقة وتصطدم مع أهوائهم وشهواتهم، وإنَّ صدق الإيمان يظهر عندما يكون الحكم على خلاف الهوى والمصلحة ومع ذلك يسلِّم له ويطبقه ولا يجد في نفسه حرجاً
ولقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة في آيات كثيرة، قال تعالى: [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ] (الأحزاب : 36) وقال تعالى: [وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ] (الأنعام: 153)، وقال تعالى: [إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ](آل عمران:19)، وقال تعالى: [وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ] (آل عمران:85) وغيرها.

والروايات الشريفة حافلة أيضاً بهذه المعاني، وقد حظيت أحكام ما يعرف اليوم بالأحوال الشخصية باهتمام كبير

من الأئمة (عليهم السلام) ولم يعذروا من يطبق القوانين الوضعية ولا يرجع إلى الأحكام الشرعية لأنها تنظم أموراً أساسية في حياة الأفراد كالزواج والطلاق والمواريث وأي خلل فيها يعني وقوع الناس في المحرمات في ذرياتهم وأموالهم، ولا مجال فيها للاعتذار بالتقية ونحوها لأنها قضايا شخصية لا تتعارض مع السلطات، وتحركوا بالوسائل المتاحة لهم (عليهم السلام) ليقنعوا الأمة بها.
واضاف سماحة المرجع (دام ظله ) :أيها الأحبة المجتمعون لنصرة الصديقة الطاهرة (عليها السلام):
إن السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حينما قامت بأمر الله تعالى في وجه الانحراف والظلم وطالبت بحقها في فدك وحاججتهم بآيات المواريث إنما أرادت أن تنطلق من هذا الحكم المتعلق بالأحوال الشخصية إلى مطلب أوسع وأعظم وهو إقامة شريعة الله تعالى في الأرض وعلى رأسها اتباع الإمام الحق والقيادة الصالحة المصلحة المتعيّنة بامير المؤمنين (عليه السلام)، والقوم قد فهموها هكذا؛ لذا أرادوا قطع الطريق من أوله على مشروع السيدة الزهراء ((يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في أمر فدك: وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد –وهو من علماء العامة- فقلت له: أكانت فاطمة عليها السلام صادقة؟ قال نعم. قلت: فلِمَ لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسّم ثم قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً وادعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء؛ لأنه يكون قد أسجل على نفسه أنها صادقة في ما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود. قال ابن أبي الحديد: وهذا كلام صحيح ))
واشار سماحته الى ما يقوم به الأعداء على طول التأريخ منذ أن صدع النبي (صلى الله عليه وآله) بالدعوة الإسلامية المباركة فيعملون على إجهاض كل حركة لإيقاظ الناس وتفعيل دور الدين في حياة الأمة ويسعون لإبقاء الأغلال التي تكبّل الأمة ويحيطون الحركة بالتشويه والتسقيط والشبهات كما حصل اليوم في مواجهة القانون الجعفري لتبقى الغشاوة على عيون الناس وإلحاق الهزيمة بالإسلام، وهذا يفسّر اجتماع كل القوى في الداخل والخارج على معارضة القانون وهو ما يزال مسودّة لم يعرض للنقاش أصلاً؛ لأنهم يخشون من آثاره المباركة اللاحقة على الأمة.
وفي نفس السياق بين سماحته ماقامت به الصديقة الطاهرة (عليها السلام) حيث كانت حازمة وصريحة في وعظهم وتحذيرهم بأنهم يعودون إلى جاهليتهم الأولى إذا خالفوا حكم الله تعالى، قالت (عليها السلام) في خطبتها: (وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته)
فتذكرهم (عليها السلام) بقوله تعالى: [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ] (المائدة:50) ويفسّرها الإمام الباقر (عليه السلام) بقوله: (الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية وقد قال الله عز وجل: [وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ] واشهدوا على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض –أي المواريث- بحكم الجاهلية)، والكلام شامل لغير زيد ممن خالفوا حكم الله تعالى.ثم قال سماحته مخاطبا اﻻمة أيها اﻻحبة:

إن تطبيق الأحكام الشرعية وتنظيم شؤون الحياة على أساسها قضية حدية فاصلة لا تقبل المساومة والمداهنة والتبعيض أو التأجيل بحجة أن الوقت غير مناسب أو أي عذر آخر، فلا تسويف لأمر الله تعالى فإما أن يُطبَّق حكم الله تعالى وإما أن يكون الحكم حكم أهل الجاهلية، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: (الحكم حكمان: حكم الله وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية)
وأكد سماحته : إن من أهم أشكال النصرة للسيدة الزهراء (عليها السلام) وللمعصومين جميعاً لنكون صادقين في قولنا لهم عند زيارتهم (عليهم السلام): (ونصرتي لكم معدة) هو السعي الدؤوب لهداية الناس وإرشادهم، والضغط المستمر لإقرار القوانين التي تنظم حياتهم وفق الشريعة الإلهية خصوصاً في الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والميراث والوصية والوقف لأنها لا تتنافى مع حق أحد ولا تسلب حرية أحد ولا تكره أحداً على خلاف ما يعتقد.
إن الله تبارك وتعالى حذّرنا بشدة من العمل بالقوانين الوضعية التي تتنافى وأحكام الدين، قال تعالى: [وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ] [وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] [وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ] (المائدة:44، 45، 47)
وهنا سماحة المرجع يلفت نظر اﻻمة بقوله: فلنراجع واقعنا ولننظر هل مناهج التعليم المتبعة موافقة للشريعة؟ وهل العلاقات الاجتماعية القائمة بيننا منضبطة بتعاليم الإسلام؟ وه

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار