أخبار المراجع والعلماء

[فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ] السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تحثنا على اللجوء إلى الكهف المعنوي الخطاب_الفاطمي السنوي ٣ جمادي الاخرة ١٤٤١هـ للمرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله

 [فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ]  السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تحثنا على اللجوء إلى الكهف المعنوي   الخطاب_الفاطمي السنوي ٣ جمادي الاخرة ١٤٤١هـ  للمرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله
المصدر: واحة - وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

[فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ]

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تحثنا على اللجوء إلى الكهف المعنوي 

الخطاب_الفاطمي السنوي ٣ جمادي الاخرة ١٤٤١هـ

للمرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله

 

قال الله تبارك وتعالى: [وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً] (الكهف : 16).

تقع الآية الشريفة في سياق قصة أصحاب الكهف التي حكاها القرآن الكريم في سورة باسم الكهف، وقد كان الإيواء إلى الكهف واتخاذه مأوى وسكناً بعيداً عن قومهم ليمارسوا شعائر الله تعالى هو القرار الذي ألهمه الله تعالى الفتية أصحاب الكهف الذين ربط الله تعالى على قلوبهم وزادهم هدى، فاتفقوا عليه بعد أن دعوا قومهم إلى الإيمان والتوحيد ونبذ الشركاء والآلهة التي يعبدونها من دون الله تعالى سواء كانت هذه الآلهة حجرية أو بشرية وهم أباطرة الرومان، لكن دعوتهم لم تؤثر في المجتمع الوثني يومئذٍ، وانكشف أمرهم للسلطة فلاحقتهم للقضاء عليهم وعلى دعوتهم، فرأوا أن القرار الذي يجب اتخاذه هو الفرار من قومهم واعتزالهم والابتعاد عنهم ونبذ ما يعبدون من دون الله تعالى واللجوء إلى كهف يقع في جبل خارج المدينة ليحافظوا على أنفسهم وعلى عقيدتهم وأخلاقهم، وكلّفهم هذا الإيواء التنازل عن مواقعهم في السلطة والحياة المترفة التي كانوا عليها ومفارقة الأهل والأحبة والأوطان، وافترشوا التراب في كهف ناءٍ مظلم موحش مخيف، فكانوا يرون في ذلك الكهف الضَيّق الحياة الرحيبة الهنيئة لأن رحمة الله تظلله ويملأه رضوان الله تعالى، أما الحياة المترفة في ظل السلطة البعيدة عن الله تعالى فإنها نكدة ضيٌّقة وكأنهم يكررون بذلك ما قاله الصديق يوسف (عليه السلام) حين رفض الاستجابة لإغراءات امرأة العزيز مفضلاً حياة السجن الخشنة: [قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ] (يوسف : 33)، وهذا سمو روحي لا يدركه إلا من أحبّ الله تعالى من أعماقه وتعلق به مخلصاً.

قال الله تبارك وتعالى: [وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً] (الكهف : 16).

 

فهذا الإجراء قبل أن يكون مادياً لحفظ حياتهم وأنفسهم من القتل، فإنه إجراء معنوي لحفظ عقيدتهم وطهارة قلوبهم ونفوسهم من التلوث ببيئة الكفر والشرك والنفاق وما تحويه من فتن وضلالات وانحراف وفساد، قال تعالى: [وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً] (الأنفال:25)، وقد كان خوفهم وقلقهم على دينهم أكثر من خوفهم على أرواحهم وقد حكى القرآن الكريم تصريحهم بذلك قال تعالى: [إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً] (الكهف:20).

 

ولعل الفتية أصحاب الكهف كان نظرهم إلى الاعتزال المعنوي أكثر من المادي، وهذا واضح من النتيجة التي توخّوها فإنهم لم يقولوا نلجأ إلى الكهف لنأمن على أنفسنا ونحفظ حياتنا من القتل وإنما قالوا: [فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً] فقدموا الهدف المعنوي وهو تحصيل الرحمة الإلهية الخاصة التي كانوا يطلبونها من الله تعالى ويصفونها في دعائهم باللدنية، ويسألونه تعالى أن يمنَّ بها عليهم [إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً] (الكهف : 10)، ثم إيجاد حل ينفعهم ويرفق بهم ويجعل لهم فرجاً ومخرجاً من المأزق الشديد الذي هم فيه 

 

والمرفق هو ما يرتفق به أي ينتفع، ولا يخفى ما في لفظ [يَنْشُرْ] من الإشارة إلى أن الرحمة الإلهية بكل درجاتها موجودة (لا بخل في ساحته) إلا أنها تُستحق بشروط، فنشرت عليهم حين أووا إلى الكهف، فلم يعد الكهف ضيّقاً خشناً بل أصبح واسعاً رفيقاً ليّناً برحمة الله تعالى، وهذه قيمة عظيمة للإيمان يُحرَم منها الماديون والملحدون.

 

وقد كان الفتية على ثقة مطلقة بأن الله تعالى سيعتني بأمرهم وسيلطف بهم بحيث ذكروا النتيجة مسلّمة [فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته] ولم يقولوا عسى ولعل، وهذا ما حصل فعلاً وأبقى ذكرهم خالداً بخلود كتاب الله تعالى لهداية الناس، وهذه سُنّة إلهية أمر الله تعالى بها كما في سورة الكافرون وإنَّ شرط نزول الرحمة والنصر الإلهيين يتحقق بمباينة أهل المعاصي واجتنابهم أدركها أصحاب الكهف بلطف الله وعنايته.

 

ومن لطائف القرآن الكريم أنه لا يذكر الحوادث ويسرد القصص بشكل يجعل آياته مختصة بالواقعة التي نزلت فيها، وإنما يصوغها بنحو مثمر مبارك ينتفع بها الخلق جميعاً إلى قيام يوم الساعة؛ لذا لم يقل أنهم أووا إلى الكهف ليحفظوا حياتهم من القتل لأنها ستكون حكاية عن كيفية خاصة بأهل الكهف .

 

فالآية الكريمة تعطينا درساً في الرجوع إلى الله تبارك وتعالى دائماً واللجوء إليه في الأزمات والشدائد وعند اختلاط الأمور وانتشار الفتن ليشملهم برحمته الخاصة ويهيئ لهم من أمرهم رشداً، وتبيّن بأن الوسيلة إلى النجاة من بيئة النفاق والفساد والضلال والظلم والانحطاط هو باعتزالها معنوياً وتجنب التأثر بها، وليس من الضروري الانعزال عنها والانزواء في البيت أو أي مكان آخر حيث تقتضي ضرورة طلب الرزق وسدّ الاحتياجات  المتنوعة الاختلاط بالناس والتعامل معهم ولا يوجد تهديد على حياته يدعوه إلى التخفي عنهم، فالمهم إذن هو الاعتزال المعنوي.

 

وقد دلّتنا الأحاديث الشريفة والأدعية المباركة على مصاديق الكهف المعنوي الذي نلجأ إليه والعروة الوثقى التي نتمسك بها عند اشتداد الفتن والأزمات وانتشار الفساد والضلال والانحراف والنفاق.

#أولها: الإيمان بالله تعالى وتوحيده بإخلاص، ففي الآية الكريمة: [فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا] (البقرة:256)، وفي الحديث القدسي (لا إله إلا الله حصني فمن دخله أمِن من عذابي)، ومن وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن (وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز)، وفي الدعاء الشريف: (يا كهفي حين تعييني المذاهب)

 و (يا كهف من لا كهف له) .

وقد دلّتنا الأحاديث الشريفة والأدعية المباركة على مصاديق الكهف المعنوي الذي نلجأ إليه والعروة الوثقى التي نتمسك بها عند اشتداد الفتن والأزمات وانتشار الفساد والضلال والانحراف والنفاق.

#وثانيها: كهف الإسلام والانقياد لأوامر الله ونواهيه والعمل الصالح، قال تعالى: [وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ] (لقمان : 22).

وقد دلّتنا الأحاديث الشريفة والأدعية المباركة على مصاديق الكهف المعنوي الذي نلجأ إليه والعروة الوثقى التي نتمسك بها عند اشتداد الفتن والأزمات وانتشار الفساد والضلال والانحراف والنفاق.

#وثالثها: القرآن الكريم وولاية أهل البيت (عليهم السلام) كما في حديث الثقلين المشهور: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي) .

حكى السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في إحدى رسائله التي جمعتها وطبعتها في كتاب قناديل العارفين قال: ((إنني يوماً فتحت القرآن الكريم لأجد فيه منزلتي أمام الله سبحانه أو قل -بالتعبير الدنيوي- (رأي) الله فيّ فخرجت هه الآية من سورة الكهف: [وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً]. إن كل هذه الآية مفهومة لي بحسب حالي يومئذٍ إلا قصة (الكهف) الذي يكون من المطلوب أن آوي إليه، أي كهف هذا؟ وذهبت إلى الحرم العلوي على ساكنها السلام عسى أن ينفتح لي هناك عن هذا المعنى، وبدأت بزيارة (أمين الله) حتى وصلت إلى قوله عليه السلام: (اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك.. إلى قوله: يا كريم) وقد حصل لي في تلك اللحظة (حدس) قوي بأن الكهف الذي يجب أن أدخله هو هذا، أي أن تصبح نفسي على هذه الأوصاف وتجانب ما سواها، وقد عرضت ذلك على (مولاي) فأقرّه وقال بصحته)).

هذا اللجوء إلى الكهف المعنوي لتحصيل الرحمة الإلهية الخاصة وحل الأزمات والنجاة من الفتن والضلالات هو ما أرادته الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من الأمة ودعتهم إليه حينما قالت لهم في خطبتها: (فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة) .

وقالت في اللجوء إلى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام): (وتالله لو مالوا عن المحجّة اللايحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردّهم إليها، وحملهم عليها ولسار بهم سيراً سُجُحاً لا يكلم حشاشه ولا يكل سائره ولا يمل راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً، صافياً، روياً، تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ري الناهل، وشبعة الكافل)().

وكثرت وصايا أهل البيت (عليهم السلام) في وصف أهل البيت (عليهم السلام) بأنهم (الكهف الحصين) الذي يجب على الأمة اللجوء إليه .

والمجاهدون المدافعون عن مقدسات المسلمين وحرماتهم وأوطانهم هم حصون الإسلام، فقد خاطبت السيدة الزهراء (عليها السلام) الأنصارَ بقولها: (معشر البقية وأعضاد الملة وحصون الإسلام)() وورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته للأشتر حين ولاه حكم مصر: (فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية إلا بهم).

#الخطاب_الفاطمي السنوي ٣ جمادي الاخرة ١٤٤١هـ

#الفاطمية_الكبرى

 

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار