المقالات والبحوث

الدين وثقافة الضبط النفسي

الدين وثقافة الضبط النفسي
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عماد مجوت 

 

واحدة من أهم مفردات الدين التي تعنى بالحالة النفسية للإنسان هي مسألة الأتزان في التعامل مع المواقف أو اتخاذها؛ إذ أنها تشكل حقيقة الفعل وردته بالنسبة للإنسان. 

وواحدة من أهم مسائل تحريك الإنسان وحركته النفسية مسألة التصور في التعاطي مع الأزمات بالخصوص فيما إذا كانت مرتبطة بنحو أرتباط مع بعد ديني كما في مسألة ظهور الاؤوبة وعلاقتها بالمنهج العقدي في التعامل مع معطيات القانون والصحة .

ولقد أتضح بما لا مزيد عليه موقف علماء الدين من الفقهاء المأخوذ عنهم الموقف الشرعي أن مسألة الأتزان و ضبط السلوك العملي في مثل هذه الظروف مرتبط بالانقياد إلى الضوابط القانونية والصحية التي تصدرها الجهات المختصة، وهي صورة حية لواقعية الدين في التعاطي مع معطيات العلم والاجتماع . 

وهذا الموقف الشرعي الواضح للعلماء يمثل قمة الاتزان والضبط النفسي بالخصوص مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة العدالة في مواقف الفقهاء التي يأمن معها الإنسان من انسياقهم مع الأهواء والرغبات وهو تماما يتماشى مع العقل وسيرة العقلاء . 

وبعد هذا يعد كل موقف مخالف لما أبدوه مخالفة لحالة الاتزان والضبط النفسي، وهو نتاج طبيعي لتحريك العاطفة أو الجهل في الدين ، أو حب الظهور والحضور في نفوس الآخرين، وهو ما حذر منه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿فَاصبِر إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَستَخِفَّنَّكَ الَّذينَ لا يوقِنونَ﴾[الروم: ٦٠] . فحالة عدم الإستقرار والضبط قرينة عدم اليقين، وهي حالة خطرة تصل إلى حد زرع التصورات الخاطئة في نفوس الناس لأجل الرئاسة والظهور أحيانا : ﴿فَاستَخَفَّ قَومَهُ فَأَطاعوهُ إِنَّهُم كانوا قَومًا فاسِقينَ﴾[الزخرف: ٥٤] .

نعم قد يتصرف البعض بحسن نية في المواقف التي يحتاج معها تعديل السلوك إلى ضبط على وفق ما يراه أصحاب الإختصاص لكن نيته هذه لا تمنع من ترتب الآثار الجانبية لتصرفاته.

وبعد هذا لا يبقى مجال لتحكيم العواطف ومشاعر الولاء الديني إذ أنها لا تشكل إلا تصورات وهمية من صناعة المقدمات الخاطئة في فهم الدين وحضوره في الواقع الحياتي. 

ومن يبحث عن حقيقة الدين سوف يجدها عند التسليم لمقرراته: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا﴾[النساء: ٦٥] .

 التي منها الأنقياد إلى الفقهاء المبينين لأحكام الشريعة، وما عداه رغبات ليس إلا، ويكفي أن يطلع المؤمن الحريص على دينه على مواقف كبار العرفاء وأهل الله تعالى مع عظيم شأنهم من انقيادهم إلى أحكام الفقهاء والأخذ باقوالهم في الحوادث الواقعة ، وما ذاك منهم إلا لفهم مسألة التسليم في الشريعة والتي منها الأنقياد للفقهاء لأنهم يمثلون عصب الشريعة، والخروج عن هذه السيرة خروج عن طاعته تعالى من حيث يريد .

فالدين تسليم، والتسليم انقياد، والانقياد ترك ما تريد لما يريد :﴿مَن يُطِعِ الرَّسولَ فَقَد أَطاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلّى فَما أَرسَلناكَ عَلَيهِم حَفيظًا * وَيَقولونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزوا مِن عِندِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنهُم غَيرَ الَّذي تَقولُ وَاللَّهُ يَكتُبُ ما يُبَيِّتونَ فَأَعرِض عَنهُم وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكيلًا﴾[النساء: ٨٠-٨١].

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار