المقالات والبحوث

الإمام الكاظم وتعدُد طُرق الإصلاح

الإمام الكاظم وتعدُد طُرق الإصلاح
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم: أنعام العبادي

عندما يُدرك الإنسان هدفًا حقيقيًا سينتقل معه أينما ذهب، وسيجد الطُرق المواكبة للظروف، ويعيشُ متحديًا كلَّ التقلبات، بصيراً بكلِّ الأذواق.

فمن كان مشروعه الدعوة لله (تعالى) الذي هو مشروع الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) فإنّه يمارسُ هذا التكليف مواكِبًا لِما تقتضيه المرحلة، مراعيًا التفاوت بطُرق الإقناع، فكما الناس مختلفون في ما يأكلون وما يلبسون، كذلك هم مختلفون بأساليب إقناعهم، وخيرُ من مارس أرقى طرق الإقناع بأنواعها هو رسول الله(صلى الله عليه واله) ، كما وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام ) بقوله: "طبيبٌ دوّارٌ بطبه، قد أحكم مراهمه، وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه، من قلوب عمى، وآذان صم، وألسنة بكم، متتبع بدوائه مواضع الغفلة، ومواطن الحيرة" (١).

وكذلك الأئمة (عليهم السلام) من بعده، فعند تسليط الضوء على نهج الإصلاح في حياة الإمام الكاظم (عليه السلام) نجدُ هذا التعدد في أساليب الهداية للآخرين، إذ انطلقت رسائل الإصلاح حتى من طامورة السندي، فقد روي عن عمّار بن أبان انّه قال: حُبِسَ أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عند السندي بن شاهك، فسألته أُخته أنْ تتولى حبسه، ففعل، فكانت تلي خدمته، فحكى لنا أنها قالت: كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجَّده ودعاه، فلم يزل كذلك حتى يزول الليل، فإذا زال الليل قام يُصلي حتَّى يُصلي الصبح، ثم يذكر قليلا حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يتهيَّأ و يستاك ويأكل، ثم يرقد إلى قبل الزوال، ثم يتوضأ ويُصلّي حتى يُصلي العصر، ثم يذكر في القبلة حتى يُصلى المغرب، ثم يُصلي ما بين المغرب والعتمة، فكان هذا دأبه. فكانت أخت السندي إذا نظرت إليه قالت: خاب قومٌ تعرَّضوا لهذا الرجل، وكان عبدًا صالحًا.(٢)

فاعترفت بمقامه واهتدت للحق حتى قيل عنها إنَّها كانت من محبي أهل البيت (عليهم السلام)، وهذه إحدى طرق هداية الآخرين وهي إظهار العبادة بنية التشجيع.

ومن الطرق الأُخرى إرجاع الناس إلى فطرتهم، واحدة من أنجع الطرق التي تُعين صاحب المشروع الرسالي هو أنْ يستعين بالمزايا التي فُطر الناس عليها كوسيلةِ إقناعٍ وجذب للحقيقة. روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه اجتازَ على دارٍ بِبغدادَ ، فَسَمِعَ المَلاهي وأصواتَ الغِناءِ والقَصبِ تَخْرجُ مِنْ تِلكَ الدّارِ ، فَخرجَتْ جارِيَةٌ وبِيَدِها قُمامةٌ البَقْلِ ، فَرَمَتْ بِها في الدَّرْبِ : فقالَ لَها: يا جارِيَةُ! صاحِبُ هذِهِ الدّارِ حُرٌّ أم عَبْد؟ فَقالَتْ: بَلْ حُرٌّ، فَقالَ: صَدَقْتِ، لَو كانَ عَبْدًا خافَ مِنْ مَولاه!

فَلَمّا دَخَلَتْ قالَ مَولاها وهُوَ على مائِدَةِ السُّكْرِ : ما أبطَأكِ عَلَينا؟ فَقالَتْ: حَدَّثَني رَجُلٌ بِكَذا وكَذا، فَخَرَجَ حافِيًا حَتّى لَقِيَ مَولانا الكاظِمَ عَليهِ السَّلامُ فَتابَ عَلى يَدِهِ .(٣)

فقد ايقظ الإمام (عليه السلام) فطرة بشر الحافي بكلمةٍ قدسية خرجت من قلبه المُخلص لله..

وهكذا بقي الإمام (عليه السلام) سببًا في خلاص الغافلين من سجن الدنيا، فمن أراد أنْ يستمر بمهمة الأنبياء (عليهم السلام) عليهِ أن يتبع أساليبهم في الدعوة، موطنًا قلبه على خشية الله (سبحانه)، قال (تعالى): {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكفى‏ بِاللَّهِ حَسِيباً}(٤)، فالخشية من الله (سبحانه) وحده هو سر الثابتين في العمل الرسالي؛ لأنه يحصنهم من أي تردد، ويُنير لهم ظُلمة الظروف، ويجعلهم يشعرون بعظمة التشريف وحجم التكليف، ويُبصرهم بالطريق حسب المكان والزمان ومن هو معني لهدايته، لذلك هم مجاهدون، ومن جاهد في الله (عز وجل) دله الطريق وهداه السبيل ، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}(٥).

هكذا هم القادة الإلهيون مجاهدون في سبيل الله (عز وجل)،وكفى به حسيبًا فهو المُحصي الحكيم لجهودهم وهو المُثيب عليها، ساعين لهداية الناس بنور الله (تعالى) الذي لا تقيدهم أغلال الحروب الناعمة ولا طامورة الظروف المؤلمة أسوةً بالإمام الكاظم (عليه السلام ) الذي خرق نور رساليته قضبان الظالمين والطغاة.

 

مجمع المبلغات الرساليات فرع البصرة 

_____________

١- نهج البلاغة للشريف الرضي.

٢-تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.

٣-منهاج الكرامة للعلامة الحلي.

٤-سورة الأحزاب آية (٣٩)

٥-سورة العنكبوت آية (٦٩)

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار