المقالات والبحوث

وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ

 وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم :الشيخ حيدر السعدي

 

قال تعالى : (وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء ٤٨-٤٩

تبين هذه الاية المباركة صفة عقائدية يتصف بها المتقون ، فهي تقول لنا : ان المتقين هم الذين يشفقون من الساعة ويوم القيامة .

وسنحاول ان نتعرف على المقصود من (الساعة) ، والمقصود من (مشفقون) .

اما الساعة فقد ورد ذكرها في القران الكريم (٣٥) مرة ، والمراد بها زمان نهاية الدنيا ، وقال المفسرون ان الساعة تستعمل في القران الكريم بمعنى يوم القيامة .

قال في الأمثل : ( الساعة تعني زمان نهاية الدنيا، إلّا أنّها في الغالب- أو دائما كما ذهب البعض- تأتي بمعنی القيامة في القرآن الكريم )

إذن المراد من الساعة هو يوم القيامة .

 

اما (مشفقون) فقد قال الراغب الأصفهاني في مفرداته : ( الاشفاق عناية مختلطة بخوف لان المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه قال تعالى: " وهم من الساعة مشفقون " فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدي بفي فمعنى العناية فيه أظهر، قال تعالى: " انا كنا قبل في أهلنا مشفقين " " مشفقون منها )

 

كما قال الأمثل : ( «الإشفاق» فيعني الاهتمام و الحبّ المقترن بالخوف، و هذا التعبير يستعمل أحيانا في شأن الأولاد أو الأصدقاء الذين يحبّهم الإنسان، إلّا أنّه يخاف عليهم في الوقت نفسه من تعرّضهم للبلايا و الأمراض مثلا. و في الواقع فإنّ المتّقين يحبّون يوم القيامة، لأنّه مكان الثواب و الرحمة، إلّا أنّهم في الوقت نفسه مشفقون من حساب اللّه فيه )

 

والنتيجة : ان هذه الاية تصف المتقين بأنهم يحبون يوم القيامة ويخافون منها في وقت واحد ، فشعورهم اتجاه يوم القيامة شعور مختلط بين الحب والخوف ، فكأن هذه الصفة تحكي في واقعها صفتين للمتقين : 

الاولى : انهم يحبون يوم القيامة ؛ لأنهم يتأملون ان يعلن فوزهم وانتصارهم في ذلك الْيَوْمَ .

الثانية : انهم يخافون من يوم القيامة ؛ لأنهم يحتملون وجود اخطاء او تبعات لا تزال مسجلة عليهم وستظهر في ذلك اليوم الذي ستعلن فيه كل صغيرة وكبيرة .

فهم كالطالب المتميز الذي ينتظر يوم اعلان النتائج ليقطف ثمرة تعبه ، وفِي ذات الوقت يشعر بالقلق خوفا من ان يكون قد اخطأ او ان تأتي درجته اقل مما يتمنى .

 

وبطبيعة الحال ورغم ان المتقي ينتظر يوم القيامة ويرغب في مجيئه ، الا ان الشعور بالخوف هو الذي يطغي على الموقف ، ويسيطر على المشهد ؛ لعلمنا بأننا لسنا معصومين ، وأننا ارتكبنا الكثير من الذنوب ، كما اننا لا نجزم بان اعمالنا الصالحة قد نالت القبول او الرفض .

فيمتزج اعتقادنا برحمة الله وكرمه مع تخوفنا بأننا لم نؤدِ حقه .

 

وما دام هذا الشعور متأصل في المتقين فانه سيدفعهم دائماً لتقديم الأفضل ، والابتعاد عن كل ما من شانه ان يؤثر على وضعهم يوم القيامة 

قال الرازي : ( (وهم من) * عذاب * (الساعة) * وسائر ما يجري فيها من الحساب والسؤال * (مشفقون) * فيعدلون بسبب ذلك الإشفاق عن معصية الله تعالى )

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار