المقالات والبحوث

عهد الله : بقلم الشيخ حيدر السعدي

عهد الله  : بقلم الشيخ حيدر السعدي
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

الشيخ حيدر السعدي

ما هو عهد الله الذي من نقضه كان من الخاسرين ؟

قال تعالى {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة : 27]

قال في الامثل عند تفسيره للاية 27 من سورة البقرة : (هؤلاء لهم مع الله عهود ومواثيق، مثل عهد التوحيد، وعهد الرّبوبية، وعهد عدم اتّباع الشيطان وهوى النفس. لكنهم نقضوا كل هذه العهود، وتمرّدوا على أوامر الله، واتّبعوا أهواءهم وما أراده الشيطان لهم.) 

طبيعة هذا العهد: 

وقد يثار سؤال حول العهد المبرم بين الله والإنسان، فالعهد عقد ذو جانبين، وقد يقول قائل: متى أبرمت انا مع الله سبحانه وتعالى عهداً من العهود المَذكورة؟

الجواب على هذا السؤال يتضح لو عرفنا أن الله سبحانه أودع في أعماق النفس الإنسانية شعوراً خاصاً وقوى خاصة يستطيع بها أن يهتدي إلى الطريق الصحيح، ويتجنب مزالق الشيطان وأهواء النفس، ويستجيب لداعي الله. هذه القوى الفطرية يعبّر عنها القرآن (بالعهد الإلهي)�يقول تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس : 60] {وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس : 61] 

و واضح أنّ الآية تشير إلى فطرة التوحيد والعبودية والميل إلى الإِتجاه نحو التكامل في النفس الإنسانية.��الدليل الآخر على هذا الإِتجاه في فهم العهد الإِلهي ما جاء في أول خطب نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : حيث قال: (فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ)

بتعبير آخر: كل موهبة يمنحها الله للإِنسان يصحبها عهد طبيعي بين الله والإِنسان، موهبة العين يصحبها عهد يفرض على الإِنسان أى يرى الحقائق، وموهبة الاُذن تنطوي على عهد مدوّن في ذات الخلقة يفرض الاستماع إلى نداء الحق... وبهذا يكون الإنسان قد نقض العهد متى ما غفل عن استثمار القوى الفطرية المودعة في نفسه، أو استخدم الطاقات الموهبة له في مسير منحرف. و الفاسقون: ينقضون بعض هذه العهود الفطرية الإلهية، أو جميعها 

فالانسان يمتلك هاديا من نفسه وهاديا من الخارج ، وله واعظ من نفسه و واعظ من الخارج .

اما الهادي والواعظ من نفسه فهي الفطرة ، واما الهادي والواعظ من الخارج فهم الانبياء والرسل .

وبالمحصل فالفطرة مزروعة في داخلنا ، وما تمليه علينا هذه الفطرة هو الذي اسماه في الامثل بـ (العهد التكويني) .

وعلى هذا الاساس يكون كل تصرف على خلاف الفطرة نقض لعهد الله وهو نفاق ونتيجته الخسارة .

وقد ذهب الشيخ محمد جواد مغنية (قدس سره) الى ان عهد الله : هو اعمال العقل والعمل بوحيه كما قال سبحانه افلا تعقلون افلا تتفكرون

وهذا ليس ببعيد فكلنا قد قرأ الحديث المشهور المروي في بحار الانوار : (أن الله عز وجل لما خلق العقل قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، فقال تعالى: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أكرم علي منك، بك اثيب وبك اعاقب، وبك آخذ وبك اعطي.)

وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان، قال: قلت: فالذي كان في معاوية ؟ فقال: تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل)

وعلى هذا الاساس فان اعمال العقل معناه عبادة الله سبحانه وتعالى وامتثال اوامره والالتزام بكل ما الزمنا به عز وجل .

فعهد الله هو استعمال العقل في طاعة الله والانتصار على الشهوة ، فالانسان يعيش صراعا داخليا بين عقله وشهوته ، فان اعمل عقله وغلب شهوته يكون قد اوفى بعهد الله ، وان كانت شهوته هي الغالبة على عقله يكون قد نقض عهد الله . 

والعقل غير الفطرة ولكنهما يتفقان في النتائج ولا تنافي بينهما ، ولذا قيل عن الاسلام انه دين الفطرة وهو في نفس الوقت لا يتنافى مع العقل .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار