المقالات والبحوث

الحياة الزوجية بين التكوين والتشريع

الحياة الزوجية بين التكوين والتشريع
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

الشيخ عماد مجوت

ما يميز الحياة الزوجية عن غيرها من العلاقات الإجتماعية هي الخصوصيات التكوينية، والتشريعية التي جعلها الله تعالى لحاكمية هذه العلاقة والتي ينبغي أن تفهم على ضوء إرجاع أصول تلك العلاقة إلى جذورها الوجودية والإيجادية.
والمراد من الجذور الوجودية هي الخصائص التكوينية التي جعلها الله تعالى لحاكمية هذه العلاقة لأجل إستمرار البقاء
الإنساني وسد حاجات الإنسان الغريزية منها ، والتي منها المودة والرحمة كما في قوله تعالى : ﴿وَمِن آياتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا لِتَسكُنوا إِلَيها وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾[الروم: ٢١] . فهما جذران تكوينيان يحكمان دوام هذه العلاقة مع ما يحملانه من إشارات ترتبط به تعالى يتلمساها أهل التفكر .
وكذلك منها ما يسد طبيعة الحاجة إلى ما يستر هيجان الشهوة الفاضحة للإنسان المكنونة في العلاقة الزوجية، كما في قوله تعالى : ﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُم وَأَنتُم لِباسٌ لَهُنَّ ﴾[البقرة: ١٨٧]. فالحاجة حاجة ساتر ومستور .
والأختيار للحياة الزوجية أختيار لتأمين الحاجات الوجودية للإنسان من المودة والرحمة والستر .

أما الجذور الإيجادية للحياة الزوجية فهي الجذور التي تؤسس للحياة الهانئة السعيدة، والتي تبنى على متابعة توصيات الشريعة، التي يجمعها عنوان المعاشرة بالمعروف، كما في قوله تعالى: ﴿وَعاشِروهُنَّ بِالمَعروفِ فَإِن كَرِهتُموهُنَّ فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا﴾[النساء: ١٩].

فالدخول للحياة الزوجية أختيار لما أوجده الله تعالى من جعل تكويني من المودة والرحمة والستر فيها ، وإدارة النجاح فيها مرهون بإدارة المعاشرة بالمعروف.
فالذي يدخل تحت أختيار الإنسان في الحياة الزوجية أمران، الأول أختياره للدخول في الحياة الزوجية والتي ينوجد معها المجعولات الثلاث ، والثاني المعاشرة بالمعروف الذي يؤمن السعادة ودوامها .
فإن أمتنع عن الأول حرم الثلاث، وإن أمتنع عن الثاني أختلت الثلاث، و لم يجد السعادة .
فكان الأساس الإختياري للشراكة الزوجية الناجحة هو عنوان المعاشرة بالمعروف، والذي يستدعي معه جميع ما تحمله هاتان المفردتان من نعومة ولطافة وإيجابية .
بل حتى في حالة عدم توفر التواصل الروحي بينهما وغياب صلة المحبة تبقى حاكمية المعاشرة بالمعروف حاضرة؛ لما تحمله من رسالة باطنية في استبطان الخير في ذلك كما يشير إليه قوله تعالى:﴿وَعاشِروهُنَّ بِالمَعروفِ فَإِن كَرِهتُموهُنَّ فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا﴾[النساء: ١٩]. فالخير كامن فيما قد نكرهه، وما يمكن أن يؤمنه بلا ضياع المعاشرة بالمعروف.

ومن جملة ما يستدعيه عنوان المعاشرة بالمعروف التعامل مع الزوجة على أنها
( ريحانة وليست قهرمانة ). والريحانة اسم للرياحين الطيبة، وليست بقهرمانة اي بمعنى الشخص الذي يكلف شؤون الأمور الادارية في الدولة، ويتعامل معه بهذا اللحاظ.
ولعل موقعية الزوجة في الحياة الزوجية تمثل العطر الذي يشم بالرياحين، فهي السعادة التي تكون في تلك الحياة فيما لو بادلت دور الرجل في المعاشرة بالمعروف بأن كانت ريحانة له مما يعني أنها تكون مفتاح السعادة كما في الحديث
عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله بقوله: (فمن السعادة: المرأة الصالحة، تراها فتُعجِبك، وتَغِيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك).
وكذلك وصَفَها - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديثٍ آخر بقوله: ((خير النساء التي تسرُّه إذا نظر، وتُطِيعه إذا أمر، ولا تُخالِفه في نفسها ولا مالها بما يكره). فكانت سعادته التي يتنفسها ويشمها من ريحانة الحياة الزوجية.
وما تألفت المرأة الرجل بمثل كسب قلبه، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «قلوب الرجال وحشية فمن تألفها أقبلت عليه» .
ولا يجد الرجل كسبا لمودة زوجته من كلمة محبة يقولها في حقها، كما في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قول الرجل للمرأة:" إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا ".
فإن كان الرجل قائما معها بالمعاشرة بالمعروف، و كانت هي ريحانته التي يجد معها السعادة ، تحققت أثار التشريع، وفتحت أبواب التكوين فكانت المودة والرحمة والستر ، فما يكون أثر التكوين إلا بالانقياد إلى التشريع، فكان مسك الختام بختام المسك :﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرونَ﴾
[الأنفال: ٢٤].

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار