المقالات والبحوث

الرحمة الإلهية : (الدين الرحماني )

الرحمة الإلهية : (الدين الرحماني )
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عبد الحكيم الخزاعي

لقد حمل إلينا شهر رمضان المبارك الرحمة إذ يقول النبي أقبل اليكم بالرحمة وبعد ان تناولنا البركة ها نحن نأتي إلى هذه الصفة العظيمة 

والرحمة كما يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان :وأما حديث الرحمة الإلهية وأنه تعالى أرحم الراحمين، فهو تعالى غير متصف بالرحمة بمعنى رقة القلب أو التأثر الشعوري الخاص الباعث للراحم على التلطف بالمرحوم، فإن ذلك صفة جسمانية مادية تعالى عن ذلك علوا كبيرا، بل معناها إفاضته تعالى الخير على مستحقه بمقدار ما يستحقه.

إذن الرحمة الإلهية هي إيصال كل مستحق بما يستحق ، وماذا يستحق الإنسان غير أن يصل إلى كماله المنشود وهو معرفة الله والقرب إليه والتخلق باخلاقه ، ولكن كيف يتحصل ذلك هل يأتي ذلك بالمجان ؟ يستحيل ذلك اننا نرى ان النبتة لا تصل إلى كمالها النهائي دون أن تمر بمراحل من النمو عبر التربة الصالحة والماء الصالح ، هكذا الإنسان لابد له من مراحل وتربية وتدريب تدريجي ، وهل الصوم إلا ذلك !

اننا نفهم أن نفس الصوم رحمة بغض النظر عما يحمل من ثواب وفضل كبير ، رحمة بالإنسان لأنه يوصله إلى الكمال المطلوب لذلك يقول في الحديث القدسي (الصوم لي وانا أجزي به ) وان الصوم لهو مظهر من مظاهر رحمة الله الواسعة التي وردت فيها أحاديث كثيرة :ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله (إن الله تعالى خلق مائة رحمة يوم خلق السماوات والأرض كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض، فأهبط رحمة منها إلى الأرض فبها تراحم الخلق ، وبها تعطف الوالدة على ولدها، وبها تشرب الطير والوحوش من الماء ، وبها تعيش الخلائق)[كنز العمال – ١٠٤٦٤]

والحديث عن الرحمة واسع شامل بل الوجود كله رحمة ولكننا نريد أن ندرس مظاهر الرحمة الإلهية في شهر رمضان الذي ورد في دعاء اليوم التاسع عنها (( اَللّهُمَّ اجْعَل لي فيهِ نَصيباً مِن رَحمَتِكَ الواسِعَةِ)) وذلك عبر نقاط محددة 

أولا : رحمة الله للإنسان فقد رحمه تعالى في كل الأشياء وفي هذا الشهر اظهر رحمته الواسعة ، فإن فيه نزل القرآن الكريم ، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر ، وفيه الدعاء مستجاب ، بل ورد ان الذنوب تغفر فيه ومن لا يغفر له في رمضان فلا يغفر له إلا بالحج! بل الشقي من حرم غفران هذا الشهر العظيم ، إن هذه كلها دروس من الرحمة الإلهية ، فالله يريد لنا أن نتخلق باخلاقه وتتجلى صفاته فينا ، وأن تكون حياتنا رحمة كيف ونحن ننتمي لنبي رسالته رحمة للعالمين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) 

ثانيا :رحمة الإنسان أهله فقد ورد في خطبة النبي صلى الله عليه وآله (من خفف عنهم كان له جواز على الصراط يوم القيامة ) فعلى الإنسان أولا ان يرحم نفسه بحملها على الطاعة ورحمة أهله ، فلا يكلفهم ما يطيقون ، وأن لايكون عليهم سبعا ضاريا ، بل يرحم الجميع منهم خصوصا والديه وزوجته وأطفاله ، فعادة الإنسان يفقد التحمل في ذلك فيمارس نوعا من الخشونة معهم ويكون رحيما مع الآخرين! ! يجب ان تتجلى الرحمة الإلهية في المنازل التي فلسفة وجودها ذلك ((جعلنا بينكم مودة ورحمة )) حتى تنعكس على المجتمع وتصور كيف يكون المجتمع ناجحا لو سادت فيه هذه الصفة العظيمة! !

ثالثا : تراحم البشر بينهم ورحمة باقي المخلوقات :وهذا ما نراه جليا بحيث تصبح حياة البشر شبيهة بالملائكية لأن الجميع يستشعر تلك الرحمة ويريد أن يتقرب إلى الله تعالى ، ويريد أن لايفسد صومه ، فنجد أن البشر يرحم بعضهم بعضا إلا ماندر من أناس لا ينفع معهم أعظم مظاهر رحمة الله ، وقد حبب الدين بالرحمة بين البشر وقيل ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) اننا اليوم بحاجة إلى تفعيل مبدأ الرحمة بعدما توحشت البشرية وأصبحت تبحث وراء المادة فقط وفي نظامنا الإسلامي الكثير من موارد الرحمة ولاتحدث هنا عن رحمة المخلوقات الأخرى ، ففي حديث عن الإمام الصادق (ع)

يعدد فيها ستة حقوق للدابة على صاحبها؛ يقول:

1: (لا يحملها فوق طاقتها).

2: (ولا يتخذ ظهرها مجالس يتحدث عليها) 

3: (ويبدأ بعلفها إذا نزل). اي اذا سافر يعلف دأبته أولا 

ومن الحقوق:

4: (ولا يسمها) فإنهم كانوا يضعون علامات على الدواب عن طريق كيها في مواضع من بدنها، فنهاهم الإسلام عن ذلك.

5: (ولا يضربها في وجهها فإنها تسبح)

6: (ويعرض عليها الماء إذا مر به)

إننا اليوم مدعوون إلى تفعيل هذه الصفة الرائعة في حياتنا وليس في شهر رمضان فقط بل جميع ايام السنة فإن المتراحمون يرحمهم الله تعالى. .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار