بقلم الشيخ عباس الناصري 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى كما هو أهله، وصلى على نبيه وآله الطاهرين

** إضاءات معرفية في شهر الله الفضيل

* الإضاءة التاسعة: أهميةُ برِّ الوالدين وكيفيتُه

# قال تعالى: ((وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا))(1).

# البرُّ: اسم يُطلق على كلّ خير وإحسان وفضل، وهو في حقيقته يجمع بين الشعور والسلوك. وبعبارة أدق: هو شعورٌ وإحساسٌ وجدانيٌّ، يدفع الإنسان نحو سلوك عمليّ يتناسب مع ذلك الشعور.

# وقد حثّت الآيات والأحاديث والروايات على برِّ الوالدين، قال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)) (2).

# وعن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من سرّه أن يُمدَّ له في عمره ويُزادَ في رزقه فليبرّ والديه، وليصل رحِمه)(3). 

# وقد سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن (الإحسان) في الآية الشريفة: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾(4)، قال: (الإحسان أن تُحسن صحبتهما، وأن لا تُكلِّفهما أن يسألاك شيئاً مما يحتاجان إليه، وإن كانا مستغنيين)(5).

# ومن أراد أن يعرف المرتبة الأكمل لبرّ الوالدين، فليراجع دعاء إمامنا السجاد (عليه السلام) حيث يقول: (اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العَسوف، وأبرهما برّ الأم الرؤؤف، واجعل طاعتي لوالديّ، وبرِّي بهما، أقرَّ لعيني من رقدة الوسنان)(6)، وليطبّق ذلك على نفسه؛ ليتعرف على مقدار برِّه بهما، طبقا لهذه القاعدة السجادية.

# ثم لِيُعلم أن هناك جملة من الآثار، المترتبة قهراً وتكويناً على برِّ الوالدين، وقد ذكرتها الروايات المعتبرة، ومنها: غفران الذنوب، وطول العمر، وزيادة الرزق، واستحقاق الجنة.

# ومن أراد التعرف على الخطوات العملية لبرّ الوالدين، نقول له، إنها كالتالي:

# أولا- ان تدعوا الله بأن يوفقك لبرّهما، وتستعين به على ذلك، وتتوسل إليه وتُلحّ عليه تعالى بذلك، فإنه وليُّ التوفيق، وليكرر دعاء السجاد (عليه السلام): (فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَعِنِّي يَا خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ، وَوَفِّقْنِي يَا أَهْدَى مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ، وَلاَ تَجْعَلْنِي فِي أَهْلِ الْعُقُوقِ لِلابآءِ وَالاُمَّهاتِ يَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ)(7).

# ثانيا- يتعرف على موارد البرّ بهما، ويُفضّلُ هنا مراجعة دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) بتمام فقراته، فإن فيه كنوز البرّ كلها.

# ثالثا: يُطبّق عمليّا طرق وموارد البرّ بهما، ولو بالتدريج، إلى أن تحصل وتتجذر ملكةُ برّ الوالدين في وجدانه وسلوكه.

والحمد لله رب العالمين صلى الله على محمد وآله الطاهرين. 

عباس الناصري

الليلة التاسعة من ليالي شهر رمضان المبارك من عام ١٤٤١هج

..................................

1- مريم: 14

2- الإسراء: 24-23

3-ميزان الحكمة ج4 ص3674

4- البقرة: 83

5- الوسائل ج21ص488

6- الصحيفة السجادية ص128 

7- نفس المصدر.