المقالات والبحوث

الصيام و ليلة القدر والسلام

الصيام و ليلة القدر والسلام
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عماد مجوت

 

لما كان الصوم منتهيا بالصائم إلى تزكية النفس بالتقوى﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾

[البقرة: ١٨٣] ، والمغفرة فيه باب لجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين:﴿وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ﴾[آل عمران: ١٣٣]، كانت جائزة الرب ليلة مباركة، يجتمع فيها سكان السماء ، بسكان الأرض ، كما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَ فِيهِمْ جَبْرَئِيلُ، وَ مَعَهُمْ أَلْوِيَةٌ، فَيُنْصَبُ لِوَاءٌ مِنْهَا عَلَى قَبْرِي، وَ لِوَاءٌ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَ لِوَاءٌ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَ لِوَاءٌ عَلَى طُورِ سَيْنَاءَ، وَ لَا يَدَعُ مُؤْمِناً وَ لَا مُؤْمِنَةً إِلَّا وَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إِلَّا مُدْمِنَ الْخَمْرِ، وَ آكِلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ الْمُنْضَجِ «المضمخ» بِالزَّعْفَرَانِ»" .(١)

 

بل حتى أعظم ملائكة الرحمة المسمى بالروح يهبط معهم ، كما عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فَذَكَرَ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الْإِمَامِ إِذَا وُلِدَ، فَقَالَ: «اسْتَوْجَبَ زِيَادَةَ الرُّوحِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ». فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَ لَيْسَ الرُّوحُ جَبْرَئِيلَ؟ فَقَالَ: «جَبْرَئِيلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَ الرُّوحُ [خَلْقٌ] أَعْظَمُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَ لَيْسَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ؟».(٢). فلا لا ينبغي أن يغفل المؤمن عن حضور هذه الليلة والمحفل العظيم لجمع العالمين الأرض والسماء .

 

♦️ فمن أهل الدنيا العبادة والطاعة ، التي فيها السلام والسلامة للنفس، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، [قَالُوا]: قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: "كَيْفَ تَكُونُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْراً مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ؟ قَالَ: «الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ»" .(٣)

  ومن أهل السماء ألقاء السلام وكتابة الأقدار ، قَالَ: وَ سُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. فَقَالَ: «تَنَزَّلُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ وَ الْكَتَبَةُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَكْتُبُونَ مَا يَكُونُ فِي أَمْرِ السَّنَةِ وَ مَا يُصِيبُ الْعِبَادَ، وَ أَمْرُهُ عِنْدَهُ مَوْقُوفٌ [لَهُ]، وَ فِيهِ الْمَشِيئَةُ، فَيُقَدِّمُ [مِنْهُ] مَا يَشَاءُ وَ يُؤَخِّرُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ. وَ يَمْحُو وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» ".(٤).

 

♦️ ومحفل هذه الليلة مظهر أسمه تعالى السلام : ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ المَلِكُ القُدّوسُ السَّلامُ﴾[الحشر: ٢٣]. فهو سلام وهي سلام:﴿سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطلَعِ الفَجرِ﴾[القدر: ٥]. تباركت لنزول الكتاب فيها الهادي إلى السلام : ﴿يَهدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ بِإِذنِهِ وَيَهديهِم إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾[المائدة: ١٦].

 وهو تعالى يدعو إلى دار السلام:﴿وَاللَّهُ يَدعو إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهدي مَن يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾[يونس: ٢٥]. فهو تعالى سلام داعي إلى دار السلام بالكتاب الهادي إلى السلام المنزل في ليلة السلام . فطوبى لمن أجاب السلام في ليلة السلام إلى دار السلام. 

 

♦️ فلا ينبغي للمؤمن الذي صفى فيما مضى من شهر الضيافة والكرامة أن يأبى كرامة ربه في هذه الليلة ، ولا يستكثر ترددها بين ليلتين أو ثلاث ، فما ضعفت نية عما عظمت منزلته، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ: «الْتَمِسْهَا لَيْلَةَ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ».(٥)

 وما أيسر الليلتين قبال عظمتها، فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ [لَهُ] أَبُو بَصِيرٍ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، اللَّيْلَةُ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا مَا يُرْجَى؟ فَقَالَ: «فِي إِحْدَى وَ عِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ». قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَقْوَ عَلَى كِلْتَيْهِمَا؟ فَقَالَ: «مَا أَيْسَرَ لَيْلَتَيْنِ فِيمَا تَطْلُبُ!»".(٦). 

 

"اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِيما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ مِنَ الاَمْرِ المَحْتُومِ وَفِيما تَفْرُقُ مِنَ الاَمْرِ الحَكِيمِ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ وَفِي القَضاء الَّذِي لا يُرَدُّ وَلا يُبَدَّلُ أَنْ تَكْتُبَنِي مِنْ

 

حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرامِ المَبْرُورِ حَجُّهُمُ المَشْكُورِ سَعْيُهُمُ المَغْفُورِ ذُنُوبُهُمُ المُكَفَّرِ عَنْهُم سَيِّئاتُهُمْ" .

 

 

 

__________________

(١)البرهان في تفسير القرآن، ج٥، ص: ٧١٤.

(٢_٦)البرهان في تفسير القرآن، ج٥، ص: ٧٠١.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار