المقالات والبحوث

الحد الفاصل بين زمن المتقدّمين والمتأخرين دراسة توثيقيّة (الحلقة الأولى)

الحد الفاصل   بين زمن المتقدّمين والمتأخرين  دراسة توثيقيّة  (الحلقة الأولى)
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم علي جميل الموزاني

 

      تمهيد:

      المُطالع للتراث الامامي يجد كثيراً ما يتم ذكر مصطلح الفقهاء المتقدمين او القدماء وعادة ما يتبعوها بكلمة المتأخرين, وهنا نحاول تسليط الضوء على كلمة المتقدمين والمتأخرين لمعرفة ما هو المقصود منها. 

      وقد ذُكر في معناها اللغوي العام هو كون المتقدم من يسبق غيره حسيّاً أو معنويّاً، والمتأخر من يسبقه غيره حسيّاً أو معنويّاً، فان نسبة كل شخص الى من هو اقدم منه يصبح متقدماً والى من يأتي بعده يصبح متأخراً, وهذا المعنى يصدق على جميع الحالات وفي كل الازمنة وهو ناظر الى التقدم والتأخر الزماني وهو لا ينفعنا في شيء.

      وما نُريد الحديث عنه هو المعنى الأدق من ذلك وهو ما اصطلح عليه الفقهاء اليوم, وما هو المراد منه وبماذا ينفعنا في فهم المباحث الفقهية والاصولية والرجالية وغيرها, وما هو المراد من المتقدمين وما فرقهم عن المتأخرين ولماذا جعلوا اقساماً اخرى مثل متأخري المتأخرين والمعاصرين, نظير ذلك تقسيمهم للرواة بحسب الطبقات, وهذا ما سنحاول توضيحه ان شاء الله تعالى. 

      الفاصل الزمني بين المتقدمين والمتأخرين 

      فمن خلال تتبعنا لمصنفاتنا الفقهية والاصولية والرجالية تبين لنا بان نهاية القرن الخامس تمثل انتهاء عصر المتقدمين وابرز رجالاتها هو الشيخ الطوسي, وكلما تقدم زمن الفقيه الى عصر الأئمة كلما كان عنوانه اوضح واجلى, ففقهاء أصحاب الائمة عليهم السلام يُعدّون من ابرز مصاديق المتقدمين لقربهم من زمن التشريع ولو وصلت إلينا كتبهم وفتاواهم الفقهية لكانت مقدمة على كتب الكليني والمفيد والصدوق والطوسي.

      وتمثل حقبة المتقدمين الابرز في وصول الأصول والمصنفات اليهم التي صُنفت علىِ ضوئها كتب الحديث وفهارس الرجال, وفي ذلك يقول الشهيد الثاني(ت965هـ) (وكان استقر أمر المتقدمين على أربعمائة مُصنَّف لأربعمائة مُصنِّف, سموها الاصول وكان عليها اعتمادهم, ثم تداعت الحال ذهاب معظم تلك الأصول. ولخصها جماعة في كتب خاصة, تقريباً على المتناول)(1), ومن هذه الأصول انطلقت عملية التنظير والتأسيس الأولي للفقه الامامي كما نشاهد ذلك واضحاً في مؤلفات الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابي الصلاح الحلبي والشيخ الطوسي والتي نعتمد عليها الى يومنا هذا.

وكل من جاء بعد زمن الشيخ الطوسي من العلماء اي في القرن السادس امثال ابن إدريس الحلي وما بعده فانه يعوّل على طرق الشيخ (لما هو واضح من انقطاع سلسلة الاسانيد بعد زمان الشيخ الطوسي، فأصبح عامة الناس إلا قليلا منهم مقلدين يعملون بفتاوى الشيخ ويستدلون بها كما يستدل بالرواية على ما صرح به ابن إدريس الحلي في السرائر(ت598هـ)) وغيره من الفقهاء. والدليل على ذلك أنهم حينما يذكرون طرقهم إلى أرباب الأصول وكتب المعاصرين للمعصومين عليهم السلام يذكرون طرقهم إلى الشيخ الطوسي، ويحيلون ما بعد ذلك إلى طرقه)(2), ولا طريق للمتأخرين الا ما كان عن طريق الشيخ أبي جعفر الطوسي الذي كان محور كل علم وفن وعليه تدور رحى من تأخر عنه, وهذه من أبرز نقاط تميز وقوة زمن المتقدمين عن المتأخرين (فهذا العلامة ذكر في إجازته الكبيرة لبني زهرة طريقاً له إلى الشيخ الصدوق، وإلى والده علي بن الحسين بن بابويه، وإلى الشيخ المفيد، وإلى السيد المرتضى، وإلى أخيه السيد الرضي- قدس الله أسرارهم-، ثم ذكر طرقه إلى كثير من كتب العامة وصحاحهم وإلى جماعة من المتأخرين عن الشيخ - قدس سره - ثم قال: (ومن ذلك جميع كتب أصحابنا السابقين الذين تقدموا على الشيخ أبي جعفر الطوسي زمانا، مثل: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني, والحسين بن سعيد، وأخيه الحسن، وظريف بن ناصح، وغيرهم مما هو مذكور في كتاب فهرست المصنف للشيخ أبي جعفر الطوسي برجاله المثبتة في الكتاب).اذن هو قد احال الى طرق الشيخ الطوسي في الفهرست ولم يكن له طريق غير ذلك)(3). 

      وبذلك يصرح الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة قائلاً: (وبهذه الطرق نروي جميع مصنفات من تقدم على الشيخ أبي جعفر من المشايخ المذكورين وغيرهم، وجميع ما اشتمل عليه كتابه فهرست أسماء المصنفين وجميع كتبهم ورواياتهم بالطرق التي تضمنتها الأحاديث. وإنما أكثرنا الطرق إلى الشيخ أبي جعفر" الطوسي"، لان أصول المذهب كلها ترجع إلى كتبه ورواياته)(4).

 

هوامش:_________________

(1) الرعاية في علم الدراية, الشهيد الثاني, ص72. 

 (2) معجم رجال الحديث, للسيد الخوئي, ج1, ص42.  

 (3) معجم رجال الحديث, للسيد الخوئي, ج1, ص43.  

 (4) معجم رجال الحديث, للسيد الخوئي, ج1, ص43.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار