المقالات والبحوث

المدح والثناء من الأبوين إلى الأبناء بقلم : صفية الجيزاني

المدح والثناء من الأبوين إلى الأبناء بقلم : صفية الجيزاني
المصدر: واحة -وكالةانباء الحوزة العلمية

 

بقلم : صفية الجيزاني 

 

 

لطالما كانتْ التربية محل أنظار الجميع، وبالخصوص المدح والثناء الصادر من الأباء للأبناء، فكلٌّ يرى الموضوع من زاويته الخاصّة، ولكن هناك نقطة أشتراك بين الجميع وهو الفطرة.

فالإنسان يميلُ فطرياً إلى حبُّ المدحِ والثناءِ مِن قِبل الآخرين، منذ أولى أدوار الطفولة، ويظل هذا الميل الفطري يلازمهُ مدى عمره.

فكلّ فردٍ يتوقع أن يلاقي إستحساناً ومدحاً مِن قِبل الأصدقاء والأقارب إذا حقّق إنجازاً او تقدماً في كلِّ مرحلةٍ من حياته. 

ولنبدأ من زاوية علم النفس،

فهذا أحد علماء النفس المعاصرين يقول:

 إنّ جميعَ الأطفال بحاجةٍ إلى التشجيع، وتحفيز الشعور بالإعتماد على النفسِ، أكثر مِن حاجتهم إلى الخشونة والعقوبة.. 

وإنّ إستحسان الآخرين ومدحهم هو الأجر الذي يهوّن الصعوبات وينسي المتاعب، وهذا الأسلوب لطالما كان مِنَ الأساليب التربوية التي أعتمدها نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله) واهل بيته (عليهم السلام ). 

وأمّا الزاوية الدينية، 

فقد رأى الرسول (صلى الله عليه وآله) إعرابيا يدعو في صلاته، ويتزلّف إلى الله تعالى بعباراتٍ عميقةٍ، ومضامين عالية، وقد أثّرت كلماتهُ وعباراتهُ في نفس النبي (صلوات الله عليه وآله ) فعيّن شخصاً لإنتظار الإعرابي، حتّى يفرغُ من صلاته، فيأتي به إليه، وما إن فرغ الإعرابي حتّى مَثُل بين يديه، فأهداه النبي قطعة من الذهب، ثم سأله: من أين انتَ؟ 

قال: من بني عامر بن صعصعة، 

قال له النبي (صلى الله عليه وآله): هل عرفت لماذا أعطيتك الذهب؟! 

قال: لما بيننا من القرابة والرحم.

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ان للرحم حقاً، ولكن وهبته لك، لحسن ثنائك على الله عز وجل) "1

وقد حفّز إستحسان الرسول (صلى الله عليه وآله) الإعرابي على عمل الخير أكثر من السابق. 

وكما إنّ الوالدين مدعوّان في الوقت ذاته إلى توجيه اللوم إلى أطفالهما على أفعالهم السيئة، ونصحهم بالسير على الطريق القويم، كذلك يجب ان يشجّعاهم على أفعالهم الصالحة التي يقومون بها حتّى يستمرّوا على ذلك. 

وهنا لابد من الإشارةِ إلى نقطةٍ مهمة، وهي عدم الإفراط في المدح والثناء، وأن يكون في محلّه، وإلّا فإنّه يؤدي إلى مفاسد كثيرة، إذا كان في غير محلّه. 

فعلى سبيل المثال عندما ينجزُ الطفل امراً ما، أو يُبدي تقدماً في قدراته، فمن الأفضل أن نمدح هذا الإنجاز بحد ذاته، كي يشعرَ الطفلُ بأنّه نجحَ في هذا العمل، إلاّ إنّ المديح والتشجيع المستمرين وفي غير محلّهما، يولّدان عند الطفل نوعاً من اللامبالاة، و يتحول مع الوقت إلى كلماتٍ عابرة لا أثر لها. 

وفي هذا المعنى يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (اكبر الحمق: الاغراق في المدح والذم) " 2. 

لذا فإنّ المدح المناسب المستند على الإستحقاق والجدارة، شرط ضروري لتربية الطفل، فنرى بأن الأطفال الذين لا يلاقون تشجيعاً واحساناً على أفعالهم الطيّبة التي يقومون بها، بل يُقابلون بالتحقيرِ والإهانة مِن قِبل الأبوين، يملكون روحاً محطّمة ويعيشون في حقارة مستمرة، بعكس الأطفال الذين يلاقون الإستحسان والثناء، فإنّهم يتمتعون بروحٍ طريّة ونشاطٍ وحيوية. 

اذن يجب على الوالدين القيام بواجباتهم التربوية، التي من ضمنها الإنتباه إلى هذه النقطة المهمة، وذلك بتوجيه المدح والثناء لكلِّ عملٍ صالحٍ يصدرُ من أطفالهم. 

ومن البديهي إنّ المدح والثناء عن إستحقاق، أفضل الوسائل لبعث السرور في نفس الطفل، ويفسحُ المجال أمامه للتقدم اكثر.  

فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( اذا نظر الوالد الى ولده فسره، كان للوالد عتق نسمة ) "3.

......................................... 

1-حياة الحيوان الكبرى للدميري ج2ص63

2-غرر الحكم 182

3-مستدرك الوسائل ج2ص226

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار