المقالات والبحوث

تقييم المرأة بين التطفيف والمغالاة ونظرة الإسلام العادلة

تقييم المرأة بين التطفيف والمغالاة ونظرة الإسلام العادلة
المصدر: واحة _ وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


تقييم المرأة بين التطفيف والمغالاة ونظرة الإسلام العادلة

لا يختلف اثنان في أن المرأة عانت ما عانت من ألوان الشقاء وأصناف الهوان والعناء... فقد كانت مهدورة الحق ومسترقّة للرجل يستخدمها كيفما شاء، لدرجة أن منحه العرف الجاهلي الحق في دفنها وهي لا تزال على قيد الحياة لتلفظ أنفاسها الاخيرة تحت التراب، وترتقي روحها إلى رب الأرباب، شاكية ظلم الجاهلية الجهلاء وطغيانها...

كما كانت النظرة إلى المرأة في العصور القديمة على أنها مخلوقٌ قاصرٌ منحطٌ تارةً وشيطانٌ يسوّل الخطيئة ويوحي بالشر تارة أخرى ، ومما رسّخ هذه النظرة الظالمة للمرأة في المجتمع الكتبُ السماوية المحرفة، فالتوراة مثلاً قد وضحت رأيها في المرأة في الكلمات الآتية: " درتُ أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرّ من الموت المرأة، التي هي شباك، وقلبها شراك، ويداها قيود " (الاصحاح 14 الفقرة 17) (1).

وأما في وجهة نظر المسيحية - خلال العصور الوسطى – فقد كانت تُعدّ مخلوقاً شيطانياً دنساً، يجب الابتعاد عنه. فقد جاء في كتاب تاريخ أخلاق اوربا: «وكانوا يفرون من ظل النساء، ويتأثمون من قربهن والاجتماع بهن، وكانوا يعتقدون أن مصادفتهن في الطريق والتحدث إليهن - ولو كُنَّ أمهات وأزواجاً أو شقيقات - تحبط أعمالهم وجهودهم الروحية»(2).

ولم تكن المرأة في المجتمع العربي الجاهلي بأفضل حال، فقد عانت من الظلم ما عانت هي الأخرى، وقد لخص معاناتها الأستاذ الندوي في حياة المرأة في المجتمع العربي الجاهلي، حيث قال: «وكانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة غبن وحيف، تُؤكل حقوقها وتُبتز أموالها، وتحرم من إرثها، وتُعضل بعد الطلاق أو وفاة الزوج من أن تنكح زوجاً ترضاه، وتورث كما يورث المتاع أو الدابة، وكانت المرأة في الجاهلية يُطفّف معها الكيل، فيتمتع الرجل بحقوقه ولا تتمتع هي بحقوقها، ومن المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرم على الإناث، وكان يسوغ للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء من غير تحديد. وقد بلغت كراهة البنات إلى حدّ الوأد، وكانوا يقتلون البنات بقسوة، فقد يتأخر وأد الموؤودة لسفر الوالد وشغله، فلا يئدها إلّا وقد كبرت وصارت تعقل، وكان بعضهم يلقي الأنثى من شاهق»(3).


وبعد كل ذلك التطفيف في تقييم المرأة والغبن الذي عانت منه، جاء دور المغالاة في تقييم المرأة الغربية الظاهري حيث منحت الحقوق كالحق في الملكية والإرث ،وحُرّرت من سلطة الأب والزوج ومُنحت حرية الطلاق وحرية التبذل فاستشعرت مساواتها مع الرجل وابتهجت لذلك غافلة عن أنها بالمقابل قد خسرت دينها وأخلاقها وكرامتها وأمنها وطمأنينتها وراحتها والدفء الأسري...

فقد كان عليها بعد أداء مهامها النسوية من الحمل والوضع والارضاع والتربية القيام بأعمال الرجل دون أدنى حسبان للفارق الجسماني بينهما كما تكفلت بمهامه فأصبحت مسؤولة عن النفقة على نفسها وعيالها كما هو مسؤول ...

ولم يكتفوا باستغلال قواها البدنية واستنزاف طاقتها النفسية وحسب بل استغلوا أنوثتها أيضاً كسلعة رخيصة تجذب الزبائن وتصرف البضائع، مستثيرين الغرائز الحيوانية في نفوسهم، فأي استغلال أسوأ وأبشع من هذا الاستغلال الذي يعده البعض تحرراً للمرأة وما هو في الواقع سوى إستعبادها لشهوات الرجل ولنزواته؟؟

وبين التطفيف المجحف والمغالاة الفاحشة في تقييم المرأة تظهر لنا الأحكام الإسلامية مشرقة بازغة كالشمس المضيئة التي أنارت حياة المرأة ومنحتها كل الدفئ... فقد صحح الإسلام تقييم المرأة وأعاد إليها اعتبارها ومكانتها، ومنحها حقوقها المادية والأدبية بلا إفراط فيها ولا تفريط، وبدون أن تبذل أي مقابل تجاهها أو تخسر شأنها وكرامتها ، فقد ساواها بالرجل في المفاهيم الإنسانية، واتحادها معه في المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأخروي على الأعمال ، قال (تعالى) : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13). وقال : «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (النحل: 97). وقال : "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)" (التكوير: 8 - 9).

كما منحها حرية اختيار الزوج الكفوء، فلا يصح تزويجها إلا برضاها، وَحَرَّم كذلك استيراثها قسراً وإكراهاً، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَج

ْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» (النساء: 19). وفرض للزوجة على زوجها حق الإعالة ولو كانت ثرية موسرة.
وللمنزلة الرفيعة التي حظيت بها المرأة المسلمة فقد تمكنت من محاججة الخليفة الثاني وهو يخطب في المسلمين وينهاهم عن المغالاة في المهور ،فقالت: ما ذاك لك. فقال: ولمَه؟ أجابت: لأن اللّه تعالى يقول «وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» (النساء: 20). فرجع عمر عن رأيه، وقال: امرأة أصابت ورجل أخطأ.(4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقارنة الأديان ج 3 الاسلام ص 196 بتصرف للدكتور أحمد شلبي.
(2) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للسيد الندوي ص 160.
(3) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للسيد الندوي ص 57 بتصرف.
(4) سورة البقرة آية(٣٢)، تفسير القرطبي

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار