المقالات والبحوث
مشروعية نظام الحكم في فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدست روحه الزكية
مشروعية نظام الحكم في فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدست روحه الزكية
للشيخ حسن عطوان
(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف
رداؤك ألف مكرمة وطهر .. فكيف يضم كون في رداء
وأنت الصدر والبلوى حشود .. تواري عنك وجها في حياء
أحبتي جميعا ، السلام عليكم ،، في ذكرى إستشهاده ( رضوان الله عليه ) فلنتأمل في بعض أفكاره لاسيما تلك المتعلقة بمشروعية الحكم في زمن الغيبة ، ومن أهم النصوص المعبرة التي كتبها السيد الشهيد في هذا المجال :
1- جاء في الأساس الرابع من الأسس التي كتبها رحمه الله في بداية تأسيس حزب الدعوة الإسلامية : " ان الدولة ككل على ثلاثة أنواع : النوع الاول : الدولة القائمة على قاعدة فكرية مضادة للإسلام كالدولة الشيوعية والدولة الديمقراطية الرأسمالية ... وهذه الدولة دولة كافرة ... وحكم الإسلام في حق هذه الدولة أنه يجب على المسلمين أن يقضوا عليها وأن ينقذوا الإسلام من خطرها اذا تمكنوا من ذلك بمختلف الطرق والأساليب التبشيرية والجهادية ... غير أن وجوب جهاد هذا العدو لايعني بطبيعة الحال القيام بأعمال تعرض العاملين للخطر دون نتيجة إيجابية .
النوع الثاني : الدولة التي لاتملك لنفسها قاعدة فكرية معينة ، كما هو شأن الحكومات القائمة على أساس إرادة حاكم وهواه ... وهذه الدولة دولة كافرة [ ايضا ] وليست دولة إسلامية وإن كان الحاكم فيها والمحكومون مسلمين جميعا ، لأن الصفة الإسلامية للدولة لاتنبع من إعتناق الأشخاص الحاكمين للإسلام وإنما تنشأ من إعتناق نفس الدولة كجهاز حاكم للإسلام ، ومعنى إعتناق الدولة للإسلام إرتكازها على القاعدة الاسلامية وإستمدادها من الإسلام تشريعاتها ... فكل دولة لاتكون كذلك فهي ليست إسلامية ، ولما كان الكفر هو النقيض الوحيد للإسلام صح أن نعتبر كل دولة غير إسلامية دولة كافرة ، وكل حكم غير إسلامي حكما كافرا ؛ لأن الحكم حكمان : حكم الإسلام ، وحكم الكفر والجاهلية وإن كان الحاكم مسلما متعبدا بعبادات الإسلام ، ففي الحديث الشريف : ( الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية ، فمن أخطأ حكم الله فقد حكم بحكم الجاهلية ) ... والحكم الاسلامي في حق هذه الدولة أنها ليست دولة شرعية ويجب على المسلمين هدمها وإبدالها بدولة إسلامية ، وكذلك فإن وجوب إبدالها لايعني القيام بأعمال تعرض العاملين للخطر دون إحتمال نتيجة إيجابية .
النوع الثالث : الدولة الاسلامية ، وهي الدولة التي تقوم على أساس الإسلام وتستمد منه تشريعاتها ، بمعنى أنها تعتمد الإسلام مصدرها التشريعي وتعتمد المفاهيم الإسلامية منظارها الذي تنظر به الى الكون والحياة والمجتمع " .
2- وجاء في الأساس السادس : " للحكم في الإسلام شكلان :
الاول : الشكل الإلهي : وهو يعني حكم الفرد المعصوم ...
الثاني : [ وهو مايهمنا في عصر الغيبة ] الحكم الشوري او حكم الامة ... فيصح للأمة إقامة حكومة تمارس صلاحياتها في تطبيق الأحكام الشرعية ووضع وتنفيذ التعاليم المستمدة منها " .
3- ولكن السيد الشهيد عدل عن ذلك _ اي عن نظرية الشورى _ الى الممازجة بينها وبين ولاية الفقيه ، ففي الإفكار التمهيدية لمشروع دستورٍ للجمهورية الإسلامية ، الإسلام يقود الحياة ، كتب ( رحمه الله ) : " النيابة العامة للمجتهد المطلق العادل الكفوء عن الإمام وفقا لقول إمام العصر ( عليه السلام ) : ( فأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ) ، فإن هذا النص يدل على انهم المرجع في كل الحوادث الواقعة بالقدر الذي يتصل بضمان تطبيق الشريعة على الحياة ؛ لان الرجوع اليهم بما هم رواة أحاديثهم وحملة الشريعة يعطيهم الولاية بمعنى القيمومة على تطبيق الشريعة وحق الإشراف الكامل " . وكتب ايضا : " ان المرجع هو الممثل الأعلى للدولة والقائد الأعلى للجيش " . و " هو الذي يرشح الفرد أو الأفراد الذين يتقدمون للفوز بمنصب رئاسة السلطة التنفيذية " . و " عليها _ اي المرجعية _ تعيين الموقف الدستوري للشريعة الإسلامية " . وكتب ايضا : " الخلافة العامة للامة على أساس قاعدة الشورى التي تمنحها حق ممارسة أمورها بنفسها ضمن أطار الإشراف والرقابة الدستورية من نائب الإمام " . و " في حالة تعدد المرجعيات المتكافئة ... يعود الى الامة أمر التعيين من خلال إستفتاء شعبي عام " .
4- وتنبّه رحمه الله لإشكالية العقدة من الحكم الديني فكتب : " إن الله سبحانه وتعالى هو مصدر السلطات جميعا ... وتعني هذه الحقيقة أن الانسان حر ولإسيادة لإنسان آخر أو طبقة أو لأي مجموعة بشرية عليه ، وإنما السيادة لله وحده ... وهذه السيادة لله تعالى التي دعا اليها الأنبياء تحت شعار : ( لا إله إلا الله ) تختلف إختلافا أساسيا عن الحق الإلهي الذي استغله الطغاة والملوك والجبابرة قرونا من الزمن للتحكم والسيطرة على الآخرين ، فإن هؤلاء وضعوا السيادة إسميا لله ؛ لكي يحتكروها واقعيا ، وينصّبوا من أنفسهم خلفاء لله على الارض " .
5- وجاء في الأساس الثاني عشر : " الدعوة الإصلاحية هي الدعوة التي تستهدف إصلاح جانب معين من جوانب الواقع القائم ... والدعوة التغييرية هي الدعوة التي لاتدين بالواقع الذي تعيش فيه الامة من أساسه ، لأنه يناقض مبدأها جملة وتفصيلا ، فتبني عملها على تغييره تغييرا جذريا ... ولدى السؤال : ماذا يجب أن تكون دعوتنا الى الإسلام ، إصلاحية أم تغييرية ؟ [ أجاب ] ... إذا كان الإسلام هو القاعدة الرئيسية التي يبتني عليها نظام الحياة وكيان الامة ... كان للدعوة أن تتخذ طريق الإصلاح للحفاظ على القاعدة الإسلامية للدولة ، وإصلاح الجوانب التي لاتنسجم مع هذه القاعدة . وأما اذا فقد الاسلام مركزه من القاعدة الأساسية وأُستبدل بغيره من القواعد ، او أُستبدل باللاقاعدة ، فإن الدعوة الى الإسلام يجب أن تكون دعوة لإعادة الإسلام الى مركزه من الدولة ومن الأمة في عملية تغيير شاملة لكل الواقع اللاإسلامي . هذه إجمالا أهم النصوص المعبرة عن نظام الحكم في فكر السيد الشهيد .
أقول : يقول تعالى : ( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون ) ، ويقول ايضا : ( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون ) ، وثالثة : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) [ المائدة : ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٧ ] ، والايات مطلقة تشمل مَن لم يحكم بما انزل الله كليا او جزئيا ، ولعل التأمل في ذلك يفسر أن لا بينية ، فأما أن تكون كل القوانين والتشريعات مستمدة من الشريعة فالدولة اسلامية ، وإلا فلا ، مما يكشف ان الدولة غير الاسلامية لايمكن ان تسمى عادلة بالمفهوم القرآني ، فكل دولة غير اسلامية ظالمة ، نعم قد تكون الدولة الاسلامية في بعض انحائها كالنحو الثالث ظالمة اجتماعيا ، وبهذا يتبين عدم صحة تقسيم الدولة غير الاسلامية الى عادلة وغير عادلة بالمفهوم القرآني . أذن :
1- يجب العمل على إسقاط أية صيغة للدولة لاتعد صيغة اسلامية كاملة اذا توفرت الظروف لذلك ، بل يجب العمل على تهيئة هذه الظروف .
2- ان المقياس في إسلامية الدولة ليس ( إسلامية ) المتصدي ، بل المقياس هو إ سلامية تشريعاتها . . المهم في المقام : انّ أحد أهم الإشكالات التي يفترض أن تناقش : أن تراثنا الديني ملؤه الندب لإقامة حكم الله على وجه الارض فإن أصل وجوب إقامة الحكم الاسلامي مسلّم لأدلة عديدة جمعها المرحوم الشيخ المنتظري في كتابه ( دراسات في ولاية الفقيه ، الجزء الاول ) ، ودفع الشبهات على ذلك السيد الحائري في ( ولاية الامر ) ، ولكن صيغة هذا الحكم وانه شوري او وفق ولاية الفقيه ، وعلى اية نظرية من نظرياتها ، لعل هذا ، اي تكييف الحكم أوكله الشارع للمتشرعة . أما الدستور الحالي في العراق فهو قائم على اساس غير اسلامي وإن امتلك المشروعية القانونية ، ولكن ذلك لايصيّره مشروعا من وجهة النظر الاسلامية . طبعا أنا لا أدعو الى العمل على هدم هذه الدولة او معارضتها أو عدم إطاعتها مالم تتوفر الظروف المناسبة لإقامة الدولة الاسلامية . عظم الله أجوركم . [ له تتمة ]...
----------------------------------------------------------
(واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف
© Alhawza News Agency 2017
© Alhawza News Agency 2019