المقالات والبحوث

الشيخ الشهيد مرتضى مطهري:شروط الدعاء

الشيخ الشهيد مرتضى مطهري:شروط الدعاء
المصدر: واحة _ وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف


الشيخ الشهيد مرتضى مطهري:شروط الدعاء


الرغبة والطلب الجدي:

أن تتملّك وجود الإنسان الرغبة والطلب الجدي، حيث تصبح كل شرائح وجوده وخلاياه معبّرة عن طلبه، ويتحول ما يريده، ويرغب فيه، إلى حاجة حقيقية، كما لو تعرض موضع من البدن، للاحتياج فإن جميع أعضاء البدن وجوارحه سوف تبدأ بالعمل، وربما تزيد بعض الأعضاء من فعاليتها، من أجل أن تشبع حاجة ذلك الموضع، فلو شعر الإنسان بالعطش، فإن ملامح عطشه ستبدو عليه، واضحة، وتهتف أعضاؤه كلها طالبة الماء

الفم، والكبد، والمعدة، والشفة، واللسان، وحتى لو نام في تلك اللحظات فسوف يلوح الماء له في نومه، لأن البدن يحتاج ويطالب بالماء جدياً...

وهناك فرق كبير بين تلاوة الدعاء والدعاء الحقيقي، فإذا لم يواكب قلبه لسانه، ولم ينسجم معه، فلا يعد ما يدعو به، دعاء حقيقياً وجدياً، فلا بدّ أن ينبثق الطلب والاحتياج، ويتدفق من أعماق الإنسان، بصورة جدية وحقيقية، لا بد أن يبدو الاحتياج الحقيقي في كيان الإنسان كلّه .....

2️⃣ الثقة بالاستجابة:

وتعني الإيمان واليقين، الإيمان بالرحمة اللامتناهية لذات الباري، الإيمان بأنه تعالى لا يمنع من فيضه أبدا ولا يبخل به على أحد، الايمان بأن باب الرحمة الإلهية لا تغلق على عبد أبدا، وإن النقص والقصور - إذا كان - فهو من جانب العبد نفسه، وفي الحديث: " إذا دَعَوتَ فظُنَّ حاجتك بالباب "

والإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في الدعاء المعروف بأبي حمزة الثمالي، يخاطب الله تعالى:

" اللّهُمَّ إنّي أجِدُ سُبُلَ الْمَطالِبِ إلَيْكَ مُشْرَعَةً، وَمناهِلَ الرَّجاءِ لَدَيْكَ مُتْرَعَةً، وأبْوابَ الدُّعاءِ لِمَنْ دَعاكَ مُفتَّحَةً، وَالاِسْتِعانَةَ لِمَنِ اسْتَعانَ بِكَ مُباحَةً، وَأعْلَمُ اَنَّكَ لِداعيكَ بِمَوْضِعِ اِجابَة، وَللصّارِخِ إلَيْكَ بِمَرْصَدِ إغاثَة، وَأنَّ فِي اللَّهْفِ اِلى جُودِكَ وَالرِّضا بِقَضائِكَ عِوَضاً مِنْ مَنْعِ الْباخِلينَ، وَمَنْدُوحَةً عَمّا في أَيْدِي الْمُسْتَأثِرينَ، وَأنَّكَ لا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلاّ أنْ تَحْجُبُهُمُ الأعْمالُ دُونَكَ "

3️⃣ أن لا يخالف السنن التكوينية والتشريعية:

ويشترط في الدعاء أن لا يكون مخالفاً لنظام التكوين والتشريع، فالدعاء استمداد واستعانة، ليتوصل من خلاله الداعي إلى الأهداف التي قررها له التكوين والوجود، أو التشريع والقوانين السماوية والإلهية، المنسجمة في طبيعتها مع التكوين، فإذا كان الدعاء بهذه الصورة، فسوف يتخذ لنفسه طابع الحاجة الطبيعية وسوف يندفع الوجود لتقديم المعونة له، وإيصال الفيض والمدد لحاجته ومتطلباته، بحكم المحافظة على التوازن والتعادل الذي يتسم به نظام الوجود،

وأما لو كان الطلب والاحتياج مخالفاً لأهداف التكوين والتشريع، أمثال المطالبة بالخلود في الدنيا، أو بقطع الرحم، فإن مثل هذا الدعاء لا يقبل الاستجابة، أي أن هذه الأدعية لا تكون تطبيقات حقيقية للدعاء.

4️⃣ مجانسة شؤون الداعي كلها مع الدعاء:

ويشترط أيضاً، أن تكون شؤون الداعي كلّها، وشتى مجالات حياته وأبعادها متناغمة مع الدعاء ومواكبة له، فلا بد أن تكون جميعها متطابقة بدورها أيضًا مع أهداف التكوين والتشريع، فالقلب لا بد أن يكون نظيفاً وطاهراً، ولم يسلك لمعيشته طرق الحرام، ولا يحمل على عاتقه وزراً ومظلمة لأحد، وفي حديث عن الامام الصادق عليه السلام:

" إذا أراد أحدكم أن يُستجاب له فليطلب كسبه وليخرج من مظالم الناس، إنَّ الله لا يرفع دعاء عبد وفي بطنه حرام أو عنده مظلمة لأحد من خلقه "

5️⃣ أن لا يكون مطلوبه من آثار الذنوب:

أن لا تكون حالته الراهنة التي يحلم بتغييرها إلى حياة أفضل بالدعاء، قد حصلت نتيجة عصيانه، وتهاونه في ممارسة وظائفه وتكاليفه، فيجب أن لا تكون الحالة التي عليها الداعي، والتي يدعو من أجل تغيرها عقوبة في حقه، ونتيجة منطقية لما اقترفه من ذنوب، واستهانة بوظائفه، فإن حالته حينئذٍ لا تتغير بالدعاء وحده، بل لا بد أن يتوب، ويستغفر، ويزيل كل أسباب الحالة الراهنة وعواملها.

فمثلاً، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الشرعية، وصلاح المجتمع أو فساده متوقف تماماً على تطبيق هذين الأصلين، والنتيجة المنطقية لعدم تطبيقهما هو توفير المناخ المساعد لسيطرة الأشرار على مقدرات المجتمع والعبث بما شاؤوا به،

وإذا فرّط المجتمع في ممارسة هذه المهمة المقدسة فسوف يتعرض للعقوبة، والنتيجة المنطقية الناجمة من تقصير هذا المجتمع وتفريطه بالوظائف الملقاة على عاتقه،

وطريق الخلاص من الواقع التعيس الذي يعيشونه يتحدد بالتوبة، وممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمدى ما يملكونه من إمكانات وقدرات وبذلك فحسب، سيتوصلون إلى الآمال التي يحملون بها { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } وهذه من السنن الإلهية، وفي رواية معتبرة " لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلّطنّ الله عليكم شراركم فيدعو خياركم ثم تدعون فلا ي

ستجاب لكم " وفي الواقع أن مثل هذه الأدعية على خلاف السنن التكوينية والتشريعية.

وهكذا الأمر بالنسبة لمن يستسلم للبطالة والكسل فلا يعمل شيئًا، بل كل ما يفعله هو الدعاء، فإن هذه الحالة مخالفة للسنن التكوينية والتشريعية.

يقول الامام علي عليه السلام: " الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر " فلا بد أن يضم العمل للدعاء، لأن كل واحد منهما يكمل الآخر.

6️⃣ يلزم أن لا يحل الدعاء محل العمل:

الشرط السادس للدعاء: أن يكون الإنسان محتاجاً واقعاً، ويتحقق ذلك في المجال الذي لا يمتلك فيه الإنسان أي وسيلة وسبيل للوصول لمطلوبه، حيث يكون عاجزاً عن التوصل إليه، وأما لو وضع الله تعالى في يده مفتاح حاجته، ولكنه كفر بتلك النعمة الإلهية، وتجنب استخدام هذا المفتاح ثم يطلب من الله أن يفتح له تلك الباب التي يمتلك مفتاحها، حتى لا يتحمل عناء استخدام المفتاح، فمثل هذا الدعاء لا يقبل الاستجابة...

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار