المقالات والبحوث
سلسلة : أشهد أن دمك سكن في الخُلد( 1و2 ) الحاج الشيّخ عماد الهلالي
سلسلة : أشهد أن دمك سكن في الخُلد( 1و2 )
الحاج الشيّخ عماد الهلالي
روى الكليني (في الكافي: ج4، ص 575) بسند صحيح 1- (والشيخ الطوسي عنه في التهذيب: ج 2 ص 19) والصدوق في من لا يحضره الفقيه: ج2، عن الحسين بن ثوير قال: كنت أنا ويونس بن ظبيان والمفضل بن عمرو أبو سلمة السراج جلوساً عند أبي عبد الله (عليه السلام) وكان المتكلم منا يونس وكان أكبرنا سناً.. إلى أن قال (عليه السلام) في كيفية زيارة الحسين (سلام الله عليه): ثم تقول: ..
السلام عليك يا ثأر الله وابن ثاره، السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض، أشهد أن دمك سكن في الخلد، واقشعرت له أظلة العرش وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى وما لا يرى، أشهد أنك حجة الله وابن حجته وأشهد أنك قتيل الله وابن قتيله وأشهد أنك ثائر الله وابن ثاره، وأشهد أنك وتر الله الموتور في السماوات والأرض وأشهد أنك قد بلغت و نصحت ووفيت وأوفيت وجاهدت في سبيل الله ومضيت للذي كنت عليه شهيداً ومستشهداً وشاهداً ومشهوداً أنا عبد الله ومولاك وفي طاعتك والوافد إليك ألتمس كمال المنزلة عند الله وثبات القدم في الهجرة إليك والسبيل الذي لا يختلج دونك من الدخول في كفالتك التي أمرت بها، من أراد الله بدأ بكم، بكم يبين الله الكذب وبكم يباعد الله الزمان الكلب وبكم فتح الله وبكم يختم [ الله ] وبكم يمحو ما يشاء وبكم يثبت وبكم يفك الذل من رقابنا وبكم يدرك الله ترة كل مؤمن يطلب بها وبكم تنبت الأرض أشجارها وبكم تخرج الأشجار أثمارها وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها بكم يكشف الله الكرب وبكم ينزل الله الغيث وبكم (تسبّح) تسيخ الأرض التي تحمل أبدانكم وتستقر جبالها عن مراسيها، إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم والصادر عما فُصّل من أحكام العباد، لُعنت أمة قتلتكم وأمة خالفتكم وأمة جحدت ولايتكم وأمة ظاهرت عليكم وأمة شهدت ولم تستشهد، الحمد لله الذي جعل النار مثواهم وبئس ورد الواردين وبئس الورد المورود والحمد لله رب العالمين ..).
وقد تضمنت هذه الزيارة معاني كبيرة سنحاول البحث في بعضها في هذه الأيام المباركة وفاءً لقضية الإمام الحسين سلام الله عليه، وسنبدأ بعبارة (أشهد أن دمك سكن في الخلد).
وقبلها نود التنويه إلى أن المعاني الكبيرة التي وردت في هذه الزيارة ليست نادرة في روايات أهل البيت وزياراتهم وليست من متفردات الصدوق بما فيها عبارة إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم) ليتهمه باختلاقها -مع جلالة قدره- كما يزعم البعض.
وهذا المستوى من المعاني لا تنسجم مع الرؤية التسطيحية التي يطرحها التنويريون والحداثويين بغلاف من العبارات المنمقة وعبارات التبجيل المزيفة التي يريدون بها ستر محاولاتهم لتوهين أهل البيت عن القارئ، ليجعلوا الحسين (عليه السلام) شخصية ساذجة لم تقدر الوضع السياسي والاجتماعي ثم صارت تتوسل بالسلطة لتتخلص من الموقف الحرج، مستعينين بالنزعة المادية لدى البسطاء ومعرضين عما ذُكر في القرآن الكريم مما يمكن للإنسان أن يصل إليه من عظمة بولاية الله والانقطاع إليه مما ذُكر لموسى وعيسى وداوود وسليمان ووصي سليمان وأصحاب الكهف (سلام الله عليهم أجمعين).
2ـ ما المراد بدم الإمام الحسين (
نحتمل في ذلك احتمالين, الأول بمعنى تضحيته (عليه السلام)، والثاني نفس الدم السائل الأحمر الذي سال منه سلام الله عليه يوم كربلاء، ولا نتناول الاحتمالات البعيدة عن موضوع القضية.
الاحتمال الأول: وهو معنى التضحية وهو شائع كما يقال ولي الدم أو الطالب بدم المقتول، فليس أنه يطلب نفس الدم وإنما المراد الانتصاف أو نصرة المقتول بأخذ ثأره وتأكيد قيمته وقضيته..
ومعنى سكن في الخلد عندها أن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) بقيت خالدة لوضوح الحجة فيها على جميع المستويات الشرعية والعقلية والعاطفية فلا تجد إنساناً سوياً إلا ويتفاعل معها ويقف مع المظلوم ضد الظالم.
والاحتمال الثاني هو نفس الدم يكون قد سكن في الخلد، وذلك أن الوعي الذي عاشه الإمام الحسين (عليه السلام) والحب والتضحية والمشاعر التي جاد بها يوم كربلاء والألم الذي أحسّه كُتب وتحوّل إلى كتاب ثابت خالد لا يتغير مع الزمان. وذلك أن بعض مشاعر الإنسان ومواقفه ووعية يُخزن ويثبت في ما يتعلق به، مثال ذلك كيف تؤثر الأحراز بفعل ما يُكتب فيها، وقد وردت بعض الروايات المعتبرة في بعض الأحراز وهي كلمات تكتب وتؤثر، لا كالطلاسم والتأثيرات السحرية بل ببركة الوعي الذي صاحب كتاباتها من قبل كاتبها وخُزن على وسط مادي، فحُفظ ذلك الوعي فيه طالما لا يمسّه اضطراب نفسي يشوه الوعي الأول.
كذلك دم الحسين (عليه السلام) كان قد اختزن وعيه ومشاعره وألمه يوم كربلاء فتحول إلى عالم آخر، فإن لذكر الله تأثيرات عجيبة تظهر في هذا العالم وتغير الأشياء، ولا أكثر من ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) لله في تلك الساعات فمن المتوقع أن تتغير الأشياء التي شهدته بذكر الله بشكل استثنائي، وظهر ذلك في ما روي أنه (عليه السلام) حين ملأ كفه من دمه ورما به إلى السماء لم تسقط منه قطرة، وفي ما روي أنه ما رفع حجر في البلاد يومها إلا ورؤي تحته الدم، لأيام بعد استشهاده سلام الله عليه.
والدم يختزن حياة الإنسان ووعيه ولعله لأجل ذلك سمي بالنفس فيقال ذو نفس سائلة أي يسيل دمه إذا جُرح.
© Alhawza News Agency 2019