المقالات والبحوث
تسامحوا ولو كان بينكم دم حمزة : الشيخ كامل الدراجي
تسامحوا ولو كان بينكم دم حمزة : الشيخ كامل الدراجي
الحمزة بن عبد المطلب عم الرسول، وناصره وحاميه وكهفه الحصين، ذاك البطل المقدام الذي كان يعرف بـ(صياد الأسود)، الذي أستشهد في معركة أحد، فهد مقتله الرسول (ص) ومضى إليه، ثم قال: والله ما وقفت موقفا قط أغيظ لي من هذا الموقف، فهبط جبرائيل عليه السلام، فقال: (يا محمد إنه مكتوب في أهل السماوات إن حمزة أسد الله وأسد رسوله).
ثم أمر به فدفن، وانصرف النبي (صلوات الله عليه وآله) راجعا إلى المدينة، وانصرف الناس معه فلما دخل المدينة مر على دور الأنصار وهم يبكون قتلاهم، فذرفت عيناه وبكى، ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له، فأمر الأنصار نساءهم أن يبكين عليه، ففعلن، فخرج رسول الله (صلوات الله عليه وآله) وهن يبكين حمزة على باب المسجد فقال: إرجعن رحمكن الله، فقد آسيتن بأنفسكن، ونهاهن عن النوح (وقال: كل نادبة كاذبة إلا نادبة حمزة).
وروى كثير من المحدّثين أنّ الإمام أمير المؤمنين (ع) تظلَّم وتألَّم كثيرا حين اقتيد إلى البيعة مكرها، وأنه استنجد واستصرخ قائلا: (وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم).
الحمزة وهو بهذه المكانة العظيمة عند الرسول والوصي، يقتله عبد متوحش بائس حقير، ويمثل به، فيجحدع أنفه، ويقطع أذنيه، ويشق بطنه، ويستخرج كبده، فيستشيط رسول الله (ص) لذلك غضبا ويصدر أمرا بأهدار دم وحشي، ويأمر المسلمين بقتله إنما وجد، وحيثما كان.
لقد خلّف وحشي جرحا عميقا في نفس رسول الله (ص)، وحزنا باديا على محياه، وعاد إلى مكة فأعتق، ويقال: إنه ندم على ما فعل، لأنه لم يعتق، فلما كان فتح مكة هرب إلى الطائف؛ فقيل له: «ويحك، إنه والله لا يقتل أحداً من الناس دخل دينه» فذهب مع الوفد إلى المدينة، وقبل أن يقع نظر النبي « صلى الله عليه وآله » فاجأه بالنطق بالشهادتين.
ودهش المسلمون حينما رأوا مهدور الدم وحشي وجها لوجه مع الرسول (ص) فخيم على المكان صمت عميق، وسادت أجواء الترقب والانتظار، واحتبست الأنفاس في صدورها، ونظرت العيون نظرات فاحصة حائرة، فما عسى أن يصنع الرسول (ص) مع قاتل مثل وحشي، ومقتول مثل حمزة، وقتلة مليئة بالتشفي والتمثيل.
ويفاجئ الرسول (ص) وحشيا والحاضرين معه بأن يعفو عنه ويقول له: (غيب وجهك عني، فكان يتنكبه حيث كان؛ لئلا يراه حتى قبضه الله).
إن هذا أيها الأخوة هو التسامح والعفو عند المقدرة، وهي صفة أخلاقية عظيمة، دعانا الله إليها، وحثنا على التحلي بها، وورد بحقها قوله تعالى: (فاصفح الصفح الجميل) وقوله: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وقال النبي (ص): ( ليس الشديد بالصرعة، أنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
إننا أيها الأخوة بحاجة إلى أن نعيش التسامح من أجل أنفسنا ومجتمعنا، فالنفس التي لا تسامح لا تذوق السعادة، والمجتمع الذي لا يعفو أقرب إلى الهلاك والتعاسة.
يجب أن نتعامل بتسامح مع عوائلنا، ومع زملائنا، ومع المجتمع من حولنا، يجب أن نعيش التسامح بإفراط، بعيدا عن فكرة أن هذا يستحق التسامح أو لا يستحق، تأسيا بذلك النبي العظيم الذي قال يوم فتح مكة (أذهبوا فأنتم الطلقاء) ولم يتردد في أطلاق هذا التسامح مع أن أكثر قريش آذوه وظلموه وأساءوا إليه.
© Alhawza News Agency 2019