اللقاءات والتحقيقات
في فلسفة الإنتظار
ورد في عدة روايات وبصياغات مختلفة مامفاده : أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قد سُئِل : ماتقول في رجل موالٍ وينتظر حكومة الحق ، ثم يموت وهو على هذه الحال ؟ فكان جوابه : بحسب لسان بعض الروايات : أنه : ( بمنزلة من كان قاعدا تحت لواء القائم ) ، وفي روايات أخرى أنه : ( بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله ) ، وفي ثالثة أنه : ( بمنزلة مَنْ أسْتُشهِد بين يدي رسول الله ) ، وورد عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : ( أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عز وجل ) ، وفي رواية اخرى : ( أفضل العبادة انتظار الفرج ) . فما هي طبيعة هذا الانتظار الذي يُوصف بأنه أفضل الاعمال بل أفضل العبادة ؟ ويُوصف المنتظر _ بالكسر _ بأنه بمنزلة مَنْ أسْتُشهد بين يدي رسول الله ؟؟
الانتظار هو حالة مَنْ هو في شوق لحال أفضل ، وهذا يعني ان المنتظر _ بالكسر _ هو مَنْ يعيش في أزمة ويسعى الى الخلاص ، وعلى هذا فإن إنتظار حكومة الحق والعدل يستبطن دافعا يُحرك بإتجاه سلوك ،
أما الدافع فهوالأذى والألم وإحساس المنتظر _ بالكسر _ بالغربة والوحشة من واقعه الذي يعيشه ،
وأما السلوك فهو سعيه للحال الأحسن والأفضل . من هنا نعرف أن الإنتظار في مفهومه الحق يتمثل برفض الباطل والشر والظلم في الواقع المعاش ، والسعي للتهيئة لاقامة دولة الحق والخير والعدل . ولابد من توطين النفس على تحمل ضرائب ذلك ،
أما اذا كان الإنتظار عبارة عن إنتظار سلبي بالسكوت عن الباطل ومهادنته وعدم نصرة أهل الحق ، فما معنى أن يكون المنتظر _ بالكسر _ بمنزلة مَن أُستُشهد بين يدي رسول الله ؟ وما معنى أن يكون عمله افضل الاعمال بل العبادات ؟
اذا كان ملوثا _ لاسمح الله _ فكيف ينتظر ثورة ستحرق بلهيبها كل الملوثين ؟ واذا كان ظالما فهل يعقل أنه ينتظر ثورة ستطيح بالظالمين ؟ من قال أنه يستحق ان يقبله الامام في جيشه المبارك ؟
اذن فالإنتظار مرحلة إعداد وتهيئة لكي يستحق الانسان _ رجلا كان او مرأة _ أن يكون جنديا من جنود تلك الثورة العظيمة ؟
والامام هو الذي ينتظر توفر أنصار من هذا القبيل ، وإلا فهل نعد أنفسنا أنصارا لتلك الثورة ونحن نحتفل في ذكرى ولادة قائدها بهذا النحو الشائع من الاحتفال ؟! هل نُظهِر للإمام أننا متهيئون ونحن نُحيي ذكرى ولادته المباركة بإختلاط النساء بالرجال ، ورقص الشباب أمام البنات ، وإستغلال المناسبة المقدسة بما هو مشبوه ؟؟!! ثم هل أنتظر ممن يسكت عن هذا الإنحراف _ مسايرة أو مجاملة أو خوفا _ أن يقودني للوقوف مع المد المبارك ؟! آمل أن نضع في حسابنا في ذكرى الإحتفاء بهذه المناسبة هذا العام دماء شهدائنا ، وآلام جرحانا ، ولوعة أمهات الشهداء ، ومصاعب حياة نازحينا ، وكل تضحياتنا التي هي في طريق التمهيد للقدوم المبارك إن شاء الله . أبارك لجميع المؤمنين ذكرى الولادة الميمونة ، وأسأل الله سبحانه أن يتغمد شهدائنا برحمته الواسعة ويمن على ذويهم ومحبيهم بالصبر والسلوان ، ويمن علينا بعافية جرحانا ، وأن يعيد نازحينا لبيوتهم ، وأن يسددنا لنكون من المنتظرين العاملين ، والساعين للتهيئة ليوم الثورة الكبرى ، وأن يوفقنا لإحياء ليلة الولادة المباركة بالصلاة وقراءة القرآن والزيارة ، والتأمل في سلوكياتنا لنوطن النفس على نبذ ما ليس بصحيح ، والتمسك بما هو حق ، لعلنا نستحق بعد ذلك أن ندعو بالفرج .
مقال لفضيلة الشيخ حسن عطوان الاستاذ في حوزة النجف الاشرف
© Alhawza News Agency 2019