♦️ الوسطيّة دعوة قرآنية نبوية

بقلم الشيخ عماد مجوت

المتتبع لمنهج القرآن الكريم في التعامل ولكلمات أهل البيت عليهم السلام وسلوكهم العملي يجد بما لا مزيد عليه دعوتهما إلى الوسطية والابتعاد عن طرفي الافراط والتفريط ، كما في قوله تعالى : 

﴿وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيكُم شَهيدًا ﴾

[البقرة: ١٤٣] ، وقوله تعالى: ﴿وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطها كُلَّ البَسطِ فَتَقعُدَ مَلومًا مَحسورًا﴾[الإسراء: ٢٩] .

وهو ما يظهر في الروايات بعناوين " النهي عن الغلوّ والتقصير" .

ومن هنا أكدت على أن يكون المؤمن وسطيًّا في نظرته إلى أهل البيت عليه السلام، وإلى كل المواقف والأفكار التي تعترضه في حياته ، وهذا ما عبَّر عنه الإمام الباقر عليه السلام بقوله: "يا معشر شيعة آل محمّد، كونوا النمرقةالوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي".

و معنى النُمرُقة – بضم النون والراء أو كسرهما- الوسادة، ومن الواضح أنّ الوسادة المنخفضة جدًا، أو المرتفعة كذلك لا تصلح للاستقرار، إنّما يصلح لذلك الوسادة الوسطى.

 "والمعنى أنَّ آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم الأمر الأوسط بين الطرفين المذمومين، فكلّ من جاوزهم فالواجب أن يرجع إليهم، وكلّ من قصَّر عنهم، فالواجب أن يلحق بهم.

وبالمعنى نفسه ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حديث صرَّح بالتقصير بعد الغلوّ وهو: "...تلك خيار أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم النُمرُقة الوسطى يرجع إليهم الغالي، وينتهي إليهم المقَصّر" .

وعليه فمن لم يلزم طريقتهم فهو اما متقدم عليهم وهو كما في الزيارة مارق، وأما متأخر عنهم فهو زاهق .

ومنشأ التعصب والتشدد والخروج عن الوسطية أمور منها : 

١_ حب النقاش والانتصار واحتكار الحق ويجمعها عنوان اللجاجة في الروايات ، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذم لها ، وبيان آثارها كما في : "إياك وَاللِّجَاجةَ، فَاِنَّ أولها جَهْلٌ وَآخِرَهَا نَدَامَةً".

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام : "اَللِّجَاجُ أكثر الاْشْيَاءِ مَضَرَّةً فِي الْعَاجِلِ والآجل".

وفي حديث آخر عنه عليه السلام : "اَللِّجَاجُ بَذْرُ الشَّرِّ" .

٢_ العصبية والانتصار للإنتماء ، قبيلة كانت ام دينا أم مذهبا ،قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذم أيضا له ، كما في : "مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةً مِنْ خَرْدَل مِنْ عَصَبِيَّة بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أعراب الْجَاهِلِيَّة". وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "مَنْ تَعَصَّبَ أَوْ تُعُصِّبَ لَهُ فَقَدْ خَلَعَ رَبَقَ الإيمان مِنْ عُنُقِهِ"  .

ومن هنا بين أمير المؤمنين عليه السلام طريقة التعامل مع من نختلف معهم دينا ، ومذهبا، وانتماءا ، فقال عليه السلام وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين : " إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ " .

وهذا هو منهج الوسطية واللازم له من أصحاب النمرقة الوسطى .

وموقف أهل البيت عليهم السلام تجاه من لم يلزم الوسطية المنع حتى من استقباله، وقبول زيارته لهم في الدنيا ! والله العالم بالآخرة ؟

فقد روى علي بن موسى بن طاووس في كتاب ( كشف المحجة ) نقلا من كتاب عبدالله بن حماد الانصاري ، عن عبدالله بن سنان قال :"  أردت الدخول على أبي عبدالله ( عليه السلام ) فقال لي مؤمن الطاق : استأذن لي على أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، فدخلت عليه فأعلمته مكانه ، فقال : لا تأذن له عليّ ، فقلت : جعلت فداك انقطاعه إليكم ، وولاؤه لكم ، وجداله فيكم ، ولا يقدر أحد من خلق الله أن يخصمه ، فقال : بلى يخصمه صبي من صبيان الكتاب ، فقلت : جعلت فداك هو أجدل من ذلك وقد خاصم جميع أهل الاديان فخصمهم ، فكيف يخصمه غلام من الغلمان ، وصبي من الصبيان ؟ فقال يقول له الصبي : أخبرني عن إمامك أمرك أن تخاصم الناس ؟ فلا يقدر أن يكذب عليّ ، فيقول : لا ، فيقول له : فأنت تخاصم الناس من غير أن يأمرك إمامك ، فأنت عاص له ، فيخصمه ، يا ابن سنان لا تأذن له عليّ ، فان الكلام والخصومات تفسد النية وتمحق الدين " .