المقالات والبحوث

شهر محرم شهر الحزن والمعرفة الشيخ عباس الناصري

شهر محرم شهر الحزن والمعرفة  الشيخ عباس الناصري
المصدر: واحة - وكالة أنباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 

شهر محرم شهر الحزن والمعرفة

الشيخ عباس الناصري

 

يتميز شهر محرم الحرام بميزات عدة، منها: انه  شهر يحرم فيه القتال، ورد عن مولانا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أنه قال: إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال...))

 

ومنها: أنه أول الأشهر القمرية التي تفتتح بها السنة بحسب التقويم الإسلامي. 

 

ومنها أيضا: أنه شهر حدثت فيه واقعة تاريخية تمتد جذورها الى أكثر من ألف سنة، اختلط فيها الإيمان بالمعرفة، والتحدي بالتضحية بالغالي والنفيس، من قبل ثلة مؤمنة واعية، وقفت وقفة رجل واحد للدفاع عن مبادئ الإسلام، وسعت جاهدة للمحافظة على ملامحه الأساسية.

انها ثلة المعرفة والإباء، ثلة الشهادة والشهود الحسيني المقدس...في شهر مقدس وعظيم

إنه شهر الحسين 

 

من هنا فحريٌّ بالفرد المؤمن أن يتأمل كثيرا في هذا الشهر الحرام قبل الدخول فيه، ويستعد له استعدادا ذهنيا وروحيا مناسبا؛ ليكون دخوله هذا دخول معرفة وحصاد...

 

ولنا هنا وبهذه المناسبة كلمة مختصرة نسأل الله تعالى أن تكون نافعة للأحبة فنقول:

 

لقد تعامل الائمة (عليهم السلام) مع هذا الشهر تعاملا خاصا جديرا بالدراسة والتأمل.

 

قال السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة (93) من تأليفه (إقناع اللائم) عند بحثه عن نياحة الأئمة (عليهم السلام) على جدهم الحسين الشهيد ما نصه:

 

(أما أنهم - أي الأئمة - بكوا على الحسين، وعادوا مصيبته أعظم المصائب وأمروا شيعتهم ومواليهم وأتباعهم بذلك، وحثوا عليه، واستنشدوا الشعر في رثائه، وبكوا عند سماعه، وجعلوا يوم قتله يوم حزن وبكاء. وذموا من اتخذه عيداً وأمروا ترك السعي فيه في الحوائج، وعدم ادخار شيء فيه. فالأخبار في ذلك مستفيضة عنهم، تكاد تبلغ حد التواتر رواها عنهم ثقات شيعتهم ومحبيهم بأسانيدها المتصلة إليهم...)

 

وجاء في (كامل الزيارة) لابن قولويه صفحة (174) عن مالك الجهني قال: (إن الباقر قال في يوم عاشوراء: وليندب الحسين ويَبكه، ويأمر مَن في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبة بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء عليه، بعضهم في البيوت. وليعز بعضهم بعضاً بمصاب الحسين. فأنا ضامن على الله لهم إذا احتملوا ذلك أن يعطيهم ثواب ألفي حِجة وعمرو وغزوه مع رسول الله والأئمة الراشدين)

 

كما جاء في الصفحة (126) من كتاب (الشيعة والحاكمون) عند ذكر شاعر آل البيت (الكميت الأسدي) صاحب (الهاشميات) قوله:

(فحينئذ قدم الكميت المدينة وأنشد الإمام محمد الباقر بن علي بن الحسين، فلما بلغ من الميمية قوله:

 

وقـتــيــــل بـــالـطـــف غـــودر مـنـهــم          بـيـن غــوغـــاء أمـــــــــــة وطـغــــام

 

بكى الإمام. ثم قال: يا كميت، لو كان عندنا مال لأعطيناك، ولكن لك ما قال الرسول لحسان بن ثابت: لا زلت مؤيداً بروح القدس ما ذببت عنا أهل البيت...).

 

ولقد رَوَى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن ابْن مَسْرُورٍ ، عَنِ ابْنِ عَامِرٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ ، قَالَ : قَالَ الرِّضَا ( عليه السَّلام ) : " إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ ! فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا ، وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا ، وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا ، وَ أُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا ، وَ انْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا ، وَ لَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا .

إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا ، وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا ، وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ .

فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ " .

 

ثُمَّ قَالَ ( عليه السَّلام ) : كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً ، وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ ، وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ "

 

والذي نراه أن تأكيدهم (عليهم السلام) على عظيم هذه الفاجعة الأليمة ليس مجرد عاطفة على قتيلٍ من أجدادهم الطاهرين قُتِل ظلما وعدوانا، وإنما هو تأكيد لعقيدة ومبدأ جاهد في سبيله ذلك الرجل الكبير ومعه ثلة طاهرة من أبناء الإسلام.

نعم لما رأى الأئمة (عليهم السلام) أهمية ذلك كله على المستويين القريب والبعيد صاروا يؤكدون على عظيم هذه المصيبة من خلال التشديد على ضرورة إحيائها بشتى أنواع الإحياء؛ لتخلد الفاجعة بمبادئها وقيمها النبيلة

 

وعلى اساس ما تقدم، على المؤمنين

 

الاستعداد المناسب قبل الدخول في هذا الشهر الحرام؛ لاهمية تلك الاهداف والقيم التي كانت تحملها هذه النهضة المقدسة، وتقديم وبذل كل ما من شأنه إدامة الزخم المعرفي والعاطفي لخلود هذه النهضة وتألقها في نفوس وعقول البشرية النقية المنصفة، ولعل أهم ما ينبغي ذكره في هذا المقام أمور:

 

الأول- تأكيد المعرفة العقائدية بأصل الإمامة كأصل من أصول الدين، وتعميق أدلة وجوب الولاية لهم، اعتمادا على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وروايات ائمة أهل البيت (عليهم السلام) الدالة على ذلك، ليمتلأ العقل والقلب ويستنير بها في زماننا هذا، المليء بالشبهات والمعتقدات المنحرفة.

 

الثاني- تعميق الصلة الفكرية والروحية بامامنا المهدي المنتظر (عج)؛ لأنه وريث القضية الحسينية بما تحمله من أبعاد وأهداف إلهية، كما لابد من مشاركته (عج) عزاءه العظيم هذا بكل ما يملكه الفرد المؤمن من مؤهلات مادية ومعنوية.

 

الثالث- كما لايفوتنا هنا التأكيد على ضرورة الحضور الدائم خلال هذا الشهر لمجالس العزاء الحسيني؛ للاستفادة مما يطرح فيها، ولذا ينبغي البحث قبل دخول الشهر عن المجالس النوعية التي تناسب الفرد ويمكنها رفع مستواه الإيماني من حيث: كفاءة الخطيب الفكرية والروحية، وترتيب المكان وروحانيته، ونوعية الحضور والتزامهم بواجبات هذا الشهر العظيم.

 

ثم انه لابد -- عند حضور تلك المجالس الشريفة -- من الالتزام بآداب دخول المساجد والحسينيات و مجالس العزاء عموما، من ناحية الكون على الطهارة والتوجه والخشوع وغير ذلك مما هو مذكور في محله من الآداب.

 

الرابع- الالتفات إلى أهمية الحزن والبكاء على سيد الشهداء (عليه السلام) وأهل بيته واصحابه المخلصين، ومزج الدموع التي تذرف في تلك اللحظات بالخضوع والخشوع والتقرب إلى الله تعالى، مع الدعاء لصاحب الزمان عج وللنفس والاهل والأحباب وجميع المسلمين بالفرج والنصر والعافية.

 

كما لايفوتنا هنا أن نرشد إلى فائدة أن يقرأ الفرد المؤمن مقتل الامام الحسين (عليه السلام) قراءة هادفة قبل الدخول في هذا الشهر للاطلاع على المواقف والكلمات التاريخية الرائعة التي سطرتها كربلاء المعرفة والقداسة.

 

هذا أهم ما خطر في ذهني على عجالة، اسأل الله تعالى أن يوفق المؤمنين والمؤمنات لنيل رضاه بحق الدماء الزاكيات والشفاه الذابلات، وبحق الطاهرات المخدرات، انه ارحم الراحمين.

ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا اليه راجعون

 

عباس الناصري 

٢٩ ذي الحجة ١٤٤٠ هج

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار