أخبار المراجع والعلماء

المرجع الشيخ الخرساني :فاطمة الزهراء عليها السلام حوراء انسية

المرجع الشيخ الخرساني :فاطمة الزهراء عليها السلام حوراء انسية
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

 

إن فاطمة الزهراء عليها السلام فوق كلامنا، إنها الصديقة الجليلة، صاحبة المقام العظيم عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله، التي إذا استقرت في الجنة زارها جميع الأنبياء عليهم السلام، آدم فمن دونه! (وإذا استقر أولياء الله في الجنة زارك آدم ومن دونه من النبيين). (تفسير فرات ص 171) (1) 

 

يا لها من عظمة! إن الفقه أن يعرف الإنسان معنى ما يقوله المعصومون عليهم السلام وكلمة النبي صلى الله عليه وآله: (رب حامل فقه غير فقيه) كلمة عجيبة، فكيف إذا وصلنا إلى قوله صلى الله عليه وآله: (ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)!

 

من الأمور المتفق عليها في مصادر الخاصة، وقد رويت في عدد من مصادر العامة، أن أصل مادة بدن الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام ليست من مادة هذا العالم والحياة الدنيا، بل هي من الجنة من أعلى أشجارها وثمارها! وأن جبرئيل عليه السلام أخذ النبي صلى الله عليه وآله في معراجه إلى الجنة إلى شجرة طوبى وأطعمه من ثمارها، أو أهدى له وهو في الأرض من ثمارها، فأكلها فتكونت نطفة فاطمة وحملت بها خديجة الكبرى سلام الله عليهما.

 

فقد روى السيوطي ذلك في الدر المنثور، والطبراني في معجمه، والثعلبي في تفسيره، وغيرهم من كبار علماء السنة ومحدثيهم.

 

وفي رواية الطبراني تعبيرات عجيبة عن تلك الشجرة: عن عائشة قالت قال رسول صلى الله عليه وآله: لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة، فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها، ولا أبيض ورقا، ولا أطيب ثمرة، فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة). (الدر المنثور: 4 / 153. ونحوه في أمالي الصدوق ص 546) 

 

نعم رووا ذلك، لكن هل فهموا فقه ما رووه؟!

 

أما الإمام الصادق عليه السلام فيقول: حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه. ولا يعد الرجل فقيها حتى يفقه مقاصد الكلام ودقائقه! (2) 

 

لاحظوا أن جبرئيل عليه السلام أخذ النبي صلى الله عليه وآله وهو الشخص الأول في العالم، إلى الشجرة الأولى في الجنة، في أرفع ملك الله تعالى، وإنما كان ذلك بجاذبية الملك والملكوت؟! ثم قطف له من أفضل ثمارها فكان ذلك الثمر نطفة الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام لتكون آية لله تعالى في الأرض فريدة في تكوينها وشخصيتها وذريتها؟!

 

تأملوا في قول الله تعالى: فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. (سورة الحجر: 29)، فلابد من فهم هاتين الكلمتين: تسوية الجسد، ثم نفخ الروح، فهما تدلان على إعداد خاص للجسد، وعلى تناسب خاص ضروري بينه وبين الروح، فنفس الإنسان لا يمكن أن تحل في بدن حيوان مثلا، لماذا؟ لأن تسويته غير مناسبة لها، فهي لا تحل إلا في بدن تمت تسويته في أحسن تقويم: والتين والزيتون وطور سينين. لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (سورة التين: 1 - 4) 

 

وما دام بدن الإنسان العادي مخلوقا في أحسن تقويم، فكيف بالبدن الذي لم يؤخذ أصله من عالم الملك، بل أخذ من عالم الملكوت الذي هو فوق عالم الظلمات، كبدن الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام؟! وكيف ستكون النفس التي تناسبه وتحل فيه؟!!

 

هذا هو الفقه الذي لم يفهمه الطبراني ولا السيوطي ولا الفخر الرازي، ولا كل من روى منهم وكتب حديث خلق فاطمة من ثمار شجرة طوبى!

 

إن شجرة طوبى شجرة وحيدة متفردة، وقد شاء الله تعالى أن يجعل تكوين بنت أفضل أنبيائه صلى الله عليه وآله وأم خير أوصيائه عليهم السلام من أعلى ثمارها!

 

فما هي الروح المتناسبة مع هذا البدن التي اختارها الله لفاطمة عليها السلام؟!!

 

إنها من أسرار الله تعالى التي لا نستطيع أن نفهمها، لكنا نفهم منها لماذا علمنا النبي وأهل بيته أن ندعو الله تعالى فنقول: (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، والسر المستودع فيها)!!

 

نعم إن قضية الزهراء عليها السلام بهذا المستوى من العظمة والأهمية، غاية الأمر أن كل إنسان يفهم منها بقدر عقله وفكره (إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها)! فبعضهم يفهم من شخصية الزهراء عليها السلام أنها أم نموذجية! فمعرفته لها على قدر عقله! وبعضهم يفهم أنها زوجة مثالية، وهذا أيضا قدر عقله وشعوره! وبعضهم حد فهمه أن يرى فيها قدوة لنساء العالم، وهذا أيضا حد فهمه!

 

لكن قضيتها عليها السلام أعظم من كل ذلك، فعندما نبحث عن أسرار الله المودعة في الروح الفريدة للزهراء عليها السلام، ذات التكوين البدني الفريد، نصل إلى أن روحها خلقت من نور عظمة الله تعالى!! فعن جابر بن يزيد الجعفي رحمه الله أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام: لم سميت فاطمة الزهراء، زهراء؟ فقال: لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغشيت أبصار الملائكة، وخرت الملائكة لله ساجدين وقالوا: إلهنا وسيدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء، وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري، يهدون إلى حقي، وأجعلهم خلفائي في أرضي، بعد انقضاء وحيي). (الإمامة والتبصرة ص 133) 

 

إن إضافة النور إلى الله تعالى يعطيه خصوصية عالية، فالله تعالى نور السماوات والأرض، والنور الذي خلقه ونسبه اليه، يصعب على العقول فهمه: الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم (سورة النور: 35) 

 

ونور العظمة أعلى من نور العلو، لأن وصف العظيم في آية الكرسي ورد بعد وصف العلي: ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم (سورة البقرة: 255) 

 

وعندما يكون البدن من أعلى ما في الجنة، والروح من نور العظمة، فأي بشر سيكون صاحبه؟! من أين أتى، والى أين، وماذا سيكون في المحشر، وأين سيكون في الجنة؟!

 

وقد روى الإمام الصادق عليه السلام عن جده المصطفى صلى الله عليه وآله كيف خلق الله تعالى روح فاطمة من نور عظمته قبل خلق آدم عليه السلام، فقال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خلق نور فاطمة قبل أن تخلق الأرض والسماء. فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟ فقال صلى الله عليه وآله: فاطمة حوراء إنسية. قال: يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية؟ قال: خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم، إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم! قيل: يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟ قال: كانت في حقة تحت ساق العرش. قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟ قال: التسبيح والتهليل والتحميد). (معاني الأخبار للصدوق ص 396) (3) 

 

كانت في حقة تحت ساق العرش.. كالجوهر الذي يحفظونه في علبة في صندوق ثمين، مكانها عند قوائم عرش الرحمن! أما طعام روح فاطمة قبل أن تحل في هذا البدن الفريد أيضا فكان التسبيح والتهليل والتحميد، وذلك بعد التقديس!

 

فأول طعامها التسبيح وبهذه نعرف العلاقة بين الزهراء عليها السلام وبين تسبيح الزهراء الذي سماه النبي صلى الله عليه وآله باسمها والذي كانت تتغذى به وتداوم عليه في ذلك العالم!

 

إن المهم كما أكدنا دائما هو الدراية، وليس مجرد الرواية!

 

نحن نتعجب عندما نعرف أن سبب نزول سورة طه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله بلغ من حبه لربه واستغراقه في عبادته أنه كان يقف في محرابه يصلي حتى تورمت قدماه، فأنزل الله عليه سورة (طه) يحدثه فيها ويطمئنه ويطلب منه أن يخفف عن نفسه!

 

(طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى. الرحمن على العرش استوى. له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى. وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى. الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى. وهل أتاك حديث موسى). (سورة طه: 1 - 9) 

 

لكن هذا ليس عجيبا على الشخص الأول في الوجود، والنقطة الأولى في قوس النزول، والنقطة العليا في قوس الصعود!

 

بل هو عجيب على ابنته الزهراء عليها السلام التي لم تبلغ ثمانية عشر عاما، وقد سلكت خط أبيها، ووقفت في محرابها تصلي لربها وتعبده، حتى تورمت قدماها كأبيها، فكانت شريكة له في سورة (طه)!

 

إنها ملحمة العبودية لله في هذا البيت، فقد كانت فاطمة مستغرقة في ذات الله، مندكة في عظمته وجلاله. وكانت في هذه النشأة في سباق في معرفة الله تعالى وعبادته، ونسخة عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله في شبابه! (4) 

 

والآن يمكننا أن نفكر لماذا تشترك الزهراء مع أبيها يوم القيامة في فضيلة لا يشاركهما فيها غيرهما، فعندما يتم حشر الناس وحسابهم ويؤتى بالبراق للنبي صلى الله عليه وآله للذهاب إلى الجنة، يتقدم أمامه موكب واحد، هو موكب فاطمة الزهراء عليها السلام!! (5)

 

 ونفهم لماذا عندما تدخل فاطمة الجنة، يزورها الأنبياء عليهم السلام من آدم فما دونه، يزورها نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، ويزورها رسول الله صلى الله عليه وآله، ولذلك تفسير لا يتسع له المقام!

 

ويمكننا أن نفهم لماذا خصها الله بالذكر في بشارة الأنبياء السابقين بخاتم أنبيائه صلى الله عليه وآله: (أوحى الله تعالى إلى عيسى جد في أمري ولا تترك، إني خلقتك من غير فحل آية للعالمين، أخبرهم: آمنوا بي، وبرسولي النبي الأمي، نسله من مباركة هي مع أمك في الجنة، طوبى لمن سمع كلامه، وأدرك زمانه، وشهد أيامه). (الخرائج والجرائح: 2 / 950) 

 

ونفهم معنى أنها ليلة القدر: (عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر، ليلة القدر فاطمة، ليلة القدر فاطمة، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها). (تفسير فرات الكوفي ص 581، البحار: 43 / 65، العوالم: 11 / 103) 

 

فبطون الكتاب المحكمة كلها في ذلك السر المستسر في قلب فاطمة عليها السلام!

 

إن بشرا كهذا البشر لهو فوق تعبيرنا، ومهما قلنا في حقها ينبغي لنا أن نستغفر الله تعالى من تقصيرنا فيه.

وهنا نصل إلى قول الإمام الصادق عليه السلام: (إنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها)!  

 

(بتاريخ: 19 جمادى الثانية 1416 - 13 / 11 / 1995 - 17 / 8 / 1374)

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار