المقالات والبحوث

الانفاق في السراء والضراء

الانفاق في السراء والضراء
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

 

الشيخ حيدر السعدي

 

قال تعالى : {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران : 133] {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران : 134]

 

فالمتقي لا يقف انفاقه على حالة السعة واليسر ، بل هو ينفق في جميع الاحوال حتى وان كان يعيش حالة الضر والعسر .

وقد ذكر المفسرون معنيين للسراء والضراء :

المعنى الاول : السراء هو اليسر والغنى ، والضراء هو العسر والفقر .

المعنى الثاني : السراء هو الفرح والسرور ، والضراء هو الاغتمام والهم.

 

وسواء كان المراد هو خصوص المعنى الاول او خصوص المعنى الثاني او كلا المعنيين فالنتيجة ان المتقي ينفق في جميع احواله ، وان ظروفه الشخصية لا تقف حائلا بينه وبين الانفاق ، فلا يوجد حال يمنعه من الانفاق .

ونحن نرجح الاطلاق للمعنين ؛ اذ لا مقيد لاحدهما ، وعلى هذا الاساس فالمتقي ينفق في جميع احواله : في فرحه وحزنه ، وفي غناه وفقره ، فهو معطاء على كل حال .

 

وقد يقول البعض : ان مخاطبة الغني وحثه على الانفاق امر معقول ، اما مخاطبة الفقير بالانفاق فهو بحاجة الى تمعن ؛ اذ ما الذي يمكن للفقير ان ينفقه وهو محتاج ؟

فنقول لهم : ان الانفاق ليس له حد من حيث القلة او الكثرة ، فالفقير وان لم يتمكن من انفاق اموال كثيرة ، ولكنه يستطيع ان يتصدق بما يتناسب مع حاله وفقره ، كما ان الغني يفترض به ان ينفق ما يناسب حاله وغناه . وكم راينا من الفقراء ينفقون من اموالهم ويتقاسمون رغيفهم مع غيرهم .

 

وهناك امر اخر شديد الاهمية يجب ان نعيره مزيدا من الانتباه وهو ان الانفاق لا يقتصر على الاموال لكي يكون مختصا بالاغنياء دون الفقراء ، بل الانفاق يشمل كل ما رزقنا الله به ويمكن بذله وافادة الاخرين به عالعلم او النصيحة او الجاه والوجاهة وما شابهها .

 

والنتيجة : ان الشريعة المقدسة تخاطبنا جميعا ، وفي كل احوالنا ، وتقول لنا انفقوا مما تقدرون على انفاقه .

وهذا علي امير المؤمنين (عليه السلام) وهو قدوتنا وامامنا قد طبق ذلك عمليا رغم انه كان يعيش حالة الفقر المالي الا انه كان مواظبا على الانفاق والتصدق ، وكذلك ائمتنا الاطهار (عليهم السلام) كانوا يجزلون العطاء ولم يمنعهم الظرف السياسي من الانفاق على الفقراء على الرغم من ان ذلك الانفاق قد يشكل خطرا عليهم .

فبالرغم من ان الحكام الطغاة حاولوا ابعاد ائمتنا عن مريديهم واتباعهم بالسجن تارة وبالنفي اخرى وبالتشديد عليهم ثالثة الا انه برغم كل ذلك لم ينقطع ائمتنا عن الانفاق والتصدق وبذل العطاء مهما امكن ورواياتنا تزخر بالشواهد على ذلك .

فالمطلوب منا ان نتبع ائمتنا وان نواظب على الانفاق على كل حال . ومن اولى من المتقين باتباع تلك التعاليم ؟

 

بقي ان نذكر ان مخاطبة الفقير بالانفاق المالي ايضا يعطينا درسا بأن لا نستصغر ما يمكن انفاقه مهما كان قليلا او حقيرا ، فاننا اذا نظرنا الى النفقة القليلة منفردة عن غيرها قد نراها عديمة الاهمية ولا تعالج اي مشكلة ولكننا عندما ننظر اليها كجزء من منظومة عطاء كبيرة وشاملة لكل الناس فانها ستصبح شيئا معتدا به وله الاثر الكبير في سد احتياجات المحتاجين .

وما نراه من الانفاق في ايام شهري محرم وصفر في مواكب الامام الحسين (عليه السلام) اكبر دليل على ذلك .

فمن الناس من يتبرع بالقليل ، ومنهم من يتبرع بالكثير كل على قدر استطاعته ورغبته في المشاركة ، ولكن لان الكل يشارك في هذه التبرعات نرى ان النتائج عظيمة والاحتياجات في ايام الزيارة قد وجدت من يسدها ويلبيها فذاك يسقي الماء واخر يعمل الشاي واخر يفتح داره وذاك يصلح عربات الاطفال وهكذا .

فكانت النتائج عطاءاً عظيماً ابهر العالم بسبب الروح الجماعية وتكاتف الفقير والغني معا في هذا الطريق .

ولو توفرت هذه الروح الجماعية وهذا الشكل من التعاون والعطاء في مواجهة اي مشكلة لانحلت وتعالجت ولقضينا على كل مشاكلنا

 

وما نراه اليوم من تكاتف الجميع وتعاون بعضهم مع الاخر لمواجهة أزمة كورونا لهو شاهد جديد على ما نقول

ولو استمر هذا التكاتف والتعاون في البذل في حال السراء ايضا فلن نعيش الضراء ابدا

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار