المقالات والبحوث

إضاءات معرفية في شهر الله الفضيل الحلقة الثلاثون

إضاءات معرفية في شهر الله الفضيل الحلقة الثلاثون
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم الشيخ عباس الناصري 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى كما هو أهله، وصلى على نبيه وآله الطاهرين

** إضاءات معرفية في شهر الله الفضيل

 

* الإضاءة الثلاثون: كيف نواجهُ فتنَ آخر الزمان؟

 

# قال تعالى: (( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ))(1).

 

# لا تختص الفتنة بالمؤمنين، بل تشمل الظالمين والطواغيت. قال تعالى: (( أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ))(2). ولكننا نريد الحديث هنا عن علاقة الفتنة بالمؤمنين، عن أنواعها، ومدى تأثيرها على إيمانهم، وكيف يمكن مواجهتها من قِبَلهم؛ لأنه الأمر الأهم عند المؤمنين، خصوصا في زمنٍ تكاثرت فيه الفتن من هنا وهناك. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل)(3).

 

# لقد تعلّقت الإرادة الإلهية بابتلاء الفرد المؤمن في الدنيا؛ لإظهار حقيقة إيمانه، وفرز الصادقين في إيمانهم عن الكاذبين؛ ولترشدنا إلى عدم كفاية دعوى الإيمان والتقوى. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان، فإنها تبير المنافقين)(4).

 

وقد ذكر القرآن الكريم انواعاً للفتن، فبعضها في الأموال والأولاد وكيفية التعامل معهما، وبعضها في أذية الناس للمؤمنين ومدى صلابتهم، وبعضها في الرئاسة وعدم إنصاف الرعية، وبعضها في المعصية والصبر عليها، وبعضها في المباحات والنعم وشكرها، وبعضها في مصائب الدنيا وتحمّلها، وبعضها في التراخي والكسل عن مواجهة الباطل، وبعضها في السكوت عن المعصية.

 

# أماالأحاديث فحدّث ولا حرج. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( سيأتي على أُمتي زمانٌ لا يبقى من القرآن إلا رسمه، ولا من الإسلام إلا اسمه، يُسمَّون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شرُّ فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود)(5).

 

# أيُّها الأحبة، إن معرفة أسباب الفتنة الطبيعية أمرٌ مهم جدا؛ للحذر من الوقوع فيها. ولذا نبّه أمير المؤمنين (عليه السلام) على ذلك بقوله: ( أيها الناس، إنما بَدْءُ وقوع الفتن أهواءٌ تُتَّبَع وأحكام تُبتدَع، يُخالَف فيها كتابُ الله، يتولى فيها رجال رجالاً. فلو أن الباطل خلص لم يخفَ على ذي حِجى، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيُمزجان فيجيئان معاً فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى)(6).

 

# والمهم هو أنه كيف يستطيع المؤمن مواجهة فتن آخر الزمان، والنجاة من حبائلها؟ والجواب أن ذلك يكون من خلال:

 

أولا- التمسك بالقرآن الكريم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( القرآن هُدىً من الضلالة، وتبيانٌ من العمى، واستقالةٌ من العثرة، ونورٌ من الظُّلْمة، وضياءٌ من الأحزان، وعصمةٌ من الهَلَكة، ورشدٌ من الغواية، وبيانٌ من الفتن، وبلاغٌ من الدنيا إلى الآخرة، وفيه كمال دينكم...الخ)(7).

 

ثانيا- التمسك بأهل البيت (عليهم السلام)، فهم سُفن النجاة، مَن ركبها نجا، ومَن تخلَّف عنها غرق وهوى، واللازم لهم لاحق، والمتخلِّف عنهم زاهق، كما نطق بذلك حديث الثقلين وغيره.

 

ثالثا- الإلتزام بتقوى الله والورع عن محارمه. روى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج في التوقيع الشريف الذي خرج للشيخ المفيد أنه (عجّل الله تعالى فرجه) قال: (إنه مَن اتقى ربَّه من إخوانك في الدين، وأخرج ما عليه إلى مستحقيه، كان آمناً من الفتنة المُبطلة ومِحَنها المُظلمة المُظِلَّة)(8).

 

رابعا- الارتباط الدائم بالعلماء. عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (المتعبّد على غير فقه كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح، وركعتان من عالم خيرٌ من سبعين ركعة من جاهل؛ لأن العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه وتأتي الجاهل فتنسفه نسفاً)(9).

 

خامسا- الإلحاح على الله تعالى بالدعاء للنجاة من الفتن؛ فإن بيده تعالى كلَّ التقادير، وعليه المعوّل في كل فتنة ومحنة؛ ولأن العبد مهما بلغ لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا. ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم. 

 

والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين. 

 

عباس الناصري

الليلة الثلاثون من ليالي شهر رمضان المبارك من عام ١٤٤١هج

..................................

1- العنكبوت: 3,2.

2- الصافات: 63,62.

4,3- ميزان ج3 ص2366.

5- الأعمال للصدوق ص301.

6- الكافي ج1 ص54.

7- تفسير العياشي ج1ص5,ح8.

8-الاحتجاج ج2 ص325.

9- بحار الأنوار ج1 ص 208.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار