المقالات والبحوث

الحالة الدينية ومدى مسؤوليتها عن واقع الأمة / بقلم العلامة الشيخ حسن الصفار

الحالة الدينية ومدى مسؤوليتها عن واقع الأمة   /  بقلم العلامة الشيخ حسن الصفار
المصدر: (واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

الحالة الدينية ومدى مسؤوليتها عن واقع الأمة

بقلم العلامة الشيخ حسن الصفار


كلما ازداد وضع الأمة سوءًا في هذا العصر، ارتفعت حدّة النقد للحالة الدينية فيها، فكرًا ومؤسّساتٍ ورموزًا، بتحميلها المسؤولية أو الجزء الأكبر منها، عمّا وصلت إليه الأمة من تخلّف وانحدار.
ففي المجتمعات الأخرى ـ خارج الأمة ـ تتصاعد موجات الاتّهام للإسلام بأنه دين تخلف وإرهاب، ويُنظر إلى مظاهر التديّن الإسلامي كمؤشرات سلبية مريبة، وإلى المراكز والمؤسّسات الإسلامية كمبعث قلق وخطر على الأمن الوطني.
وداخل الأمة تتعامل السلطات السياسية في معظم البلدان الإسلامية، مع التوجهات والجماعات الدينية بحذر وقلق بالغ، وتخوض المواجهة العنيفة مع بعض أجنحتها وأطرافها.
وقد تحدث مسؤولون بارزون في عدد من الحكومات الإسلامية، عن دور سلبي معيق للتنمية والاستقرار تشكله الجهات الدينية.
وأذكر بالمناسبة كلامًا سمعته من رئيس إحدى دول المنطقة، في لقاء لي معه قال: إنّه كان مرة في ضيافة زعيم دولة أخرى، وكان في مجلسه كبار علماء الدين في بلده، فالتفت الزعيم المضيّف لضيفه، وهو يشير إلى العلماء قائلًا: إنّ هؤلاء أخّرونا مئتي سنة!!
أما التيارات الليبرالية والعلمانية في الأمة، فإنّها لا تتوقف عن تسجيل الإدانة والنقد للحالة الدينية، وتحميلها المسؤولية عن كلّ المساوئ والشّرور.
وحتى في الأوساط الدينية، يتساءل كثير من المتديّنين العاديين بغرابة وامتعاض، عن بعض ما يصدر من فتاوى وآراء دينية، يرونها غير مقبولة ولا منسجمة مع العقل ومنطق العصر، كما يبدون استياءهم ورفضهم لتصرفات وممارسات تقوم بها جهات محسوبة على الإسلام.
وهكذا، فإنّ الحالة الدينية يحاصرها النقد والاتّهام من كلّ جهة، وتُوجّه إليها سهام الإدانة من كلّ جانب.
ومن الإنصاف أن نشير إلى أنّه حتى في داخل الحالة الدينية تتصاعد ظاهرة النقد الذاتي، حيث ظهرت اعترافات وإقرارات بوجود أخطاء في المناهج والآراء والمواقف والممارسات.
وقد تحدّثت عن ذلك قيادات أساسية في الحالة الدينية، من بينها مراجع دين كبار كالإمام الخميني، والشهيد السيد محمد باقر الصدر، والعلامة السيد فضل الله، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ القرضاوي، وشيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب وأمثالهم.
كما اعترفت قيادات مهمة، في حركات إسلامية بارزة، بضرورة المراجعة لمسيرتها، وتصحيح الأخطاء، وتغيير استراتيجيات العمل.
ونجد مثل هذه المواقف في مستويات مختلفة من جهات الحالة الدينية، في البعد العلمي والسياسي والثقافي والحركي والاجتماعي.
فواقع الحالة الدينية، لا يقبل الدفاع والتبرير. لكن ما تجب مناقشته وبحثه هو مدى وحجم المسؤولية الذي تتحمله هذه الحالة تجاه سوء الواقع الذي تعيشه الأمة؟ وعن كيفية التصحيح والمعالجة لمسار الحالة الدينية؟
وهذا ما نريد تسليط الضوء عليه من خلال النقاط التالية:
أولًا: إنّ الحالة الدينية جزءٌ من واقع الأمة، وهي كما تؤثر فإنّها تتأثر بحال سائر الأجزاء، إنّها لم تنزل من السماء، ولم تنبت في أرض كوكب آخر، ولا تعيش خارج فضاء مجتمعاتها، ولأنّ الحال العام في الأمة سيئ فإنّها جزء منه، ولا يمكن الادّعاء بأنّها العنصر المحرك لكلّ الأوضاع، وأنّها تنفرد بالتأثير على كلّ شيء، دون أن تؤثر فيها العوامل الأخرى.
إنّها شريكة مع سائر العناصر في صناعة هذا الواقع، فتتحمّل جزءًا من المسؤولية عنه، بمقدار حجم تأثيرها في كلّ مجتمع، وليس صحيحًا أن تصبح شمّاعة تعلق عليها كلّ الأطراف مسؤولية ما يجري، وتبريء نفسها عن أيّ دور.
وواضح أنّ العامل السياسي هو الأكثر تأثيرًا من العوامل الأخرى، بما فيها الجانب الديني؛ لأنّ العامل السياسي بيده القوة والسلطة والمال والإعلام وسائر الإمكانات.
وفي معظم الأحيان يكون هو المسيّر والمهيمن على الحالة الدينية، يوجهها لتبرير وتأييد سياساته وقراراته، وقد تتمرّد أو تستعصي عليه بعض أطرافها، لكنّ السيطرة عليها ليست عسيرة، بالتفاهم معها، أو الفرض عليها، بالترغيب أو الترهيب. وقد تكون هناك استثناءات في بعض الموارد والمجتمعات.
إنّ واقع الاستبداد السياسي، وتخلّف التنمية والاقتصاد، وانحدار المستوى العلمي والتعليمي، وسوء الخدمات المعيشية، كلّ ذلك ليس من صنع الحالة الدينية، وإن كانت قد تُستغل لتبريره، لكنها ليست الأساس فيه.
ثانيًا: ليس بعيدًا عن الحقيقة ما أكّدته الدراسات والبحوث الميدانية، من أنّ سوء الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هو سبب رئيس للتخلف وتعثّر التنمية ونشوء حركات التطرف والعنف، وقد شهدت حقبة زمنية سابقة ظهور مثل هذه الحركات العنفية بغطاءات إيديولوجية أخرى، مثل الشيوعية والقومية. مما يعني أنّ هناك واقعًا سيئًا يدفع للانفجار، يمكن أن تستغله الجهات والتوجهات المختلفة.
ثالثًا: إنّ الدين نزعة وجدانية إنسانية، وشأن اجتماعي، لا يملكه الناطقون باسمه، ولا يحتكره الممثلون له، وإذا ما حصل تزييف وتحريف في الدين، أو أساء المتصدّون له ممارسة دورهم، ووظّفوا الدين ضدّ أهدافه النبيل

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار