المقالات والبحوث

الحد الفاصل بين زمن المتقدّمين والمتأخرين دراسة توثيقيّة (الحلقة الرابعة)

الحد الفاصل   بين زمن المتقدّمين والمتأخرين  دراسة توثيقيّة  (الحلقة الرابعة)
المصدر: واحة وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم علي جميل الموزاني

 

      الرد على من ادعى ان ابن ادريس من المتقدمين:

      ويحاول البعض جاهداً في اعتبار القرن السادس هو نهاية عصر المتقدمين معتبراً الشيخ ابن ادريس أخر رجالاته, ولكن ذلك مردود ومرفوض تماماً وبأدنى تتبع قال المولى محمد باقر السبزواري في كفايته واصفاً ابن إدريس من المتأخرين (وقال بعض المتأخرين: وربما ظهر من كلام ابن إدريس في السرائر والعلامة في التحرير)(1). 

 

      ويقول العلامة المجلسي في ذكره لطرق كتب المصنفين ومشايخهم وما نقله عن اجازة المحقق الكركي ووصفه لشيخ ابن نما الحلي وهو ابن إدريس بقدوة المتأخرين (وأجل أشياخه "ابن نماء الحلى: الشيخ الإمام العالم المحقق قدوة المتأخرين فخر الدين محمد بن إدريس الحلى العجلي برد الله مضجعه)(2).

 

      فان الشيخ ابن إدريس ينتهي طريقه الى الشيخ الطوسي وبالتالي لا يمكن ان يُعدّ من المتقدمين وهذا هو طريقه الى الشيخ الطوسي (الشيخ الإمام العالم المحقق قدوة المتأخرين فخر الدين محمد بن إدريس الحلى العجلي (برد الله مضجعه), وقد أخذ عن الشيخ الأجل الفقيه السعيد عربي بن مسافر العبادي وأخذ هو عن الشيخ السعيد العالم إلياس بن هشام الحايري وأخذ هو عن الشيخ الأجل الفقيه السعيد الأوحد المفيد أبي علي ابن الشيخ الامام شيخ الإسلام حقا قدوة هذا المذهب عمدة الطائفة المحقة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي وأخذ هو عن والده (قدس الله أرواحهم ورفع درجاتهم), وطرق الشيخ (قدس الله لطيفه) إلى أئمة الهدي تنبو عن الحصر وقد تكفل ببيان معظمها التهذيب والاستبصار والفهرست وكتاب الرجال)(3). 

 

      فكيف يمكن ان يُعتبر الشيخ ابن إدريس من المتقدمين وطريقه الى الكتب والاصول والروايات ينتهي الى طريق الشيخ الطوسي وهذه كتب الشيخ بأيدينا فما هو الفرق بين العلامة والشهيد الاول وبين ابن إدريس إذن.

 

      ويردُّ الشيخ ابن إدريس على من يرفض منهجه في كتابه السرائر بحجة انه من المحدثين المتأخرين قائلاً (واعلم أبقاك الله وأيدك بالتوفيق، أنه ليس لمن أتى في زماننا هذا بمعنى غريب وأوضح عن قول معيب، ورد شاردة خاطر غير مصيب، عند هؤلاء الأغمار الأغفال، وذوي النزالة والسفال، إلا أنه متأخر محدث، وهل هذا لو عقلوا إلا فضيلة له، ومنبهة عليه، لأنه جاء في زمان يعقم الخواطر، ويصدي الأذهان... فالعاقل اللبيب الذي يتوخى الإنصاف فلا يسلم إلى المتقدم إذا جاء بالردى لتقدمه، ولا يبخس المتأخر حق الفضيلة إذا أتى بالحسن لتأخره، وكأين نظر للمتأخر ما لم يسبقه المتقدم إليه ولا أتى بمثله إما استحقاقاً أو اتفاقاً، فمن العدل أن يذكر الحسن ولو جاء ممن جاء، ويثبته للآتي به كائنا من كان، ولا ينظر إلى سبق المتقدم وتبع المتأخر)(4), فهو يعترف بانه جاء بزمان متأخر عن زمن المتقدمين من الفقهاء والمحدثين, وهو في كلامه هذا ملتفت الى هذا التفريق الواضح فكيف يدّعى بانه من المتقدمين. 

 

      كما ويعدّ ابن شهرآشوب المازندراني (ت 588) ومنتجب الدين علي بن عبيد الله ابن بابويه الرازي (بعد 600) وهما معاصران لابن إدريس من المتأخرين.

 

      وقد أضيف مصطلح آخر في المتون الفقهية المدونة في القرن الثالث عشر وهو (متأخري المتأخرين) حيث يكون المراد منهم من هم بعد زمن صاحب المدارك الفقيه المحقق السيد محمد بن علي الموسوي العاملي(ت1009ه‍).

 

      وهذه الفوارق التي ذكرناها لا تعني بانها هي الحد الفاصل والدقيق ولا يوجد فيها استثناء لبعض فقراتها, وانما بحسب التتبع والاستقراء وجدنا بان زمن الشيخ الطوسي وهو القرن الخامس يحمل ابرز تلك السمات التي يمكننا من خلالها تمييز زمن المتقدمين عن المتأخرين. وذلك لأن الانتقال من مرحلة إلى أخرى لا يأتي دفعة واحدة، فلا يمكننا القول بان في هذه السنة بالتحديد انفصل الفقهاء بين متقدم ومتأخر, لأننا نؤمن بان هنالك مرحلة برزخيه تبدأ تتلاشى فيها صفات المرحلة السابقة، وتترسخ فيها تدريجياً أعراف مرحلة جديدة، تتكامل فيهما الأدوار تلبية للحاجات العلمية لكل منهما, كما حو الحال في هيمنة مدرسة الشيخ الطوسي وافكاره وأراه على الاخرين طيلة مئة عام تقريباً. لذلك جعلنا القرن الخامس هو الحد الفاصل بينهما, وهذه المدة الزمنية كفيلة بتحقق مرحلة الانتقال.

 

      ثم ان هذا التمييز بن المتقدمين والمتأخرين لا يعني قلة الاهتمام بالثاني بل على أيدي المتأخرين تم تقعيد كثير من القواعد والعلوم وصنفوا في اغلب المجالات التي كانت خالية من التصنيف وأسسوا الفروع وبينوا الاحكام وشرحوا مصنفات المتقدمين ودافعوا عن كثير من النظريات العقائدية والفقهية في المدرسة الامامية.

 

 

هوامش:_________________

(1) كفاية الأحكام, المحقق السبزواري, ج٢, ص٢٧٤.

(2) بحار الأنوار, العلامة المجلسي, ج١٠٥, ص٦٢.

 (3) بحار الأنوار, العلامة المجلسي, ج١٠٥, ص٦٢-63. 

(4) السرائر, ابن إدريس الحلي, ج١, ص٤٤-45.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار