المقالات والبحوث

الغدير في كلمات... الحلقة الثانية

الغدير في كلمات... الحلقة الثانية
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عمار الشتيلي

الكلمة الرابعة : من معطيات الغدير الرائعة تكريس ثقافة الاختيار الصحيح والدقيق في وعي وممارسات أبناء المجتمع الإسلامي في شتى مجالات الحياة ، وخصوصا في المجال السياسي والديني والقيادي ، هذا الاختيار يكون للأشخاص الذين يقدمون لإدارة مقاليد الأمور وفق قواعد ومناهج عملية تصب في رؤية المشرع لمستقبل الإسلام كدين يواكب حركة الحياة، ويتاقلم مع مستجداتها ، ويطرح مبانيه لقيادة المجتمع، وتوجيه مؤسساته في كل زمان ومكان.

 

كان اختيار الإمام علي ع لمنصب الإمامة ومسؤولية الخلافة في محله تماما ، كإنسان رفيع المستوى من الناحية الدينية فالقريب والبعيد كان يشهد أن قلبه يمثل مرآة مضيئة لأنوار الهداية الإلهية ، وروحه تتصل بمنهل الوحي حيث لم يفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ، خالص مخلص نقي، تمتزج سيرته وأخلاقه بالفضائل ؛ دون أي سبيل للأهواء النفسية أو العصبية، أو غلبة الشهوات والنزوات على نفسه. 

 

كان سياسياً متقيا ناجحا ذا رؤية ثاقبة فاحصة لأدق الأحداث في حياة المجتمع ، يصف نفسه بأنه لا يخدع :

( والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم)

اللّدْم: صوت الحجر أوالعصا أوغيرهما، تضرب به الارض ضرباً غير شديد.

شرح نهج البلاغة، المعتزلي، ج١ ، ٢٢٣.

 

(وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا منه والله نكير سيفه، وقلة مبالاته بحتفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله.

وتالله لو مالوا عن المحجة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه، ولا يكل سائره، ولا يمل راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويا تطفح ضفتاه، ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا، ونصح لهم سرا وإعلانا، ولم يكن يحلي من الغنى بطائل، ولا يحظي من الدنيا بنائل، غير ري الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب) البحار،. المجلسي، ج٤٣، ص١٦٠

 

تلحظ عند قراءة مؤهلاته أن مذاق الشريعة ورضا الله تعالى منهج مستقيم يسير وفقه في كل جوانب حركته المجتمعية في السراء والضراء، والسياسة والحرب والسلم، في الحب والبغض ، في الإقدام والتراجع، وفي البيت والعمل والقضاء والحكم، في الكلام والصمت، في الحقوق والواجبات. 

فإذا ما وقف مثل هذا الإنسان على هرم المجتمع ، واختير ليكون وليا لأمر الأمة ومرجعا لها، وقائدا لشؤونها؛ تحقق بذلك غاية ما تنشده الرسالات بأجمعها؛ هذا هو معنى الغدير، وهذا ما تحقق في الغدير.

( أَنْ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ اَلرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي اَلسَّيْلُ وَ لاَ يَرْقَى إِلَيَّ اَلطَّيْرُ).

 

ومن هنا ولأجل أن ننتفع من وقفتنا في رحاب تشخيص بعض المؤهلات التي جعلت من ترشيح صاحب الغدير ترشيحها صحيحا واعيا لمقتضيات المرحله؛ نحتاج الى مراجعة واسعة دائمة ، وتقويم جديد لمن يدير مؤسساتنا ومراكزنا وشؤوننا، ليس في السياسة فقط، بل في كل مجالات الحياة الدينية والاجتماعية والعلمية وغيرها.

َولنعد النظر بإستمرار في المؤهلات المطروحة في الأشخاص والشخصيات التي نرتبط بها في واقعنا بشتى تفاصيله، ولنبحث عن أفضل المؤهلات واحسن الأفراد وأكمل التخصصات، وليكن مبدأ الدماء الجديدة في إدارة الأمور منهجا غديريا إصلاحيا واعيا لا مجاملة فيه، كما أن السماء لم تجامل عند اختيار الأكمل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ونصبته وليا وخليفة واماما ومرجعا، وجعلت من يوم ال١٨ من ذي الحجة منصة عالميا للإعلان الختامي عن التنصيب المقدس :

( قال النبي(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم :

 ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا بلى يارسول الله . قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه)

( مسند أحمد ، رقم الحديث 915)

 

الشيخ عمار الشتيلي

النجف الاشرف

١٨ ذ ح ١٤٤١ هج

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار