المقالات والبحوث

الإمام الحسين عليه السلام والتعبئة العاطفية

الإمام الحسين عليه السلام والتعبئة العاطفية
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عماد مجوت

 

في منطقة الفطرة يوجد لقاء بين واحد من محركاتها وهو العاطفة وبين الإمام الحسين عليه السلام الذي يمثل المحاكاة لها ،حيث مثلت ثورة الإمام عليه السلام باعثيا وجدانيا يحرك فطرة الإنسان لإيجاد ذاته المغيبة، بالهوى ومتابعة الشهوة تارة ، وبتغيبه بالقهر والظلم بفعل الظالمين تارة أخرى، فكانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام ثورة الوجدان وانتفاضة الروح التي يجد الإنسان نفسه منتميا إليها بلا تردد ما لم تغلبه عوارض المخالفة .

وكانت واحدة من أهم مفردات اللغة التي حاكى بها الإمام عليه السلام الوجدان الإنساني مفردة العاطفة ؛ لما لها من ارتباط وثيق بفطرته، فالعاطفة كما تحرك مشاعر الإنسان تجاه الشهوات ، تحركها تجاه الغضب، سلبا و إيجابا ، وكذلك تحركها تجاه طلب الحق والخير والعدل والأنتصار لها ، ورفض الباطل والشر والظلم والوقوف بوجهها .

 

ولقد أستعمل القرآن الكريم العاطفة لتعبئة النفوس تجاه الوقوف مع الحق ونصرة القضايا التي تشكل مواقف مفصلية في صراع الإرادات كما في مواقف الحق والباطل، فصور تعالى موقف أم موسى بصورة عاطفية تحرك مشاعر الإنسان تجاه ما فعله فرعون من جهة، وما يقدمه أهل النفوس الكبيرة تجاه قضايا المواجهة من جهة أخرى، فقال تعالى: ﴿وَأَصبَحَ فُؤادُ أُمِّ موسى فارِغًا إِن كادَت لَتُبدي بِهِ لَولا أَن رَبَطنا عَلى قَلبِها لِتَكونَ مِنَ المُؤمِنينَ﴾[القصص: ١٠]. وكذلك قوله تعالى: ﴿وَتَوَلّى عَنهُم وَقالَ يا أَسَفى عَلى يوسُفَ وَابيَضَّت عَيناهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظيمٌ * قالوا تَاللَّهِ تَفتَأُ تَذكُرُ يوسُفَ حَتّى تَكونَ حَرَضًا أَو تَكونَ مِنَ الهالِكينَ﴾[يوسف: ٨٤-٨٥]. ليصل من خلال هذا التصوير الفني للواقعة فداحة الظلم الذي ألحقه إخوة يوسف به وبأبيهم عليه السلام.

 

وما لا يمكن أخفائه في ثورة الإمام الحسين عليه السلام هو مقدار التعبئة العاطفية التي حضيت بها، بدأ من خروج الإمام عليه السلام:( ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر). وقوله عليه السلام حال خروجه بعياله :(شاء الله أن يراني قتيلا. وشاء الله أن يراهن سبايا).

وصولا إلى كربلاء وما جرى عليه وعلى إخوته وأصحابه عليهم السلام وبعدها ، ومن ثم تركيز الأئمة عليهم السلام على تركيز لغة العاطفة في جانب كبير من مساحة الثورة كما في الروايات الواردة في ذلك، مثل ما عن أبي هارون المكفوف قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: أنشدني، فأنشدته فقال: لا، كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره، فأنشدته أمرر على جدث الحسين *

 فقل لأعظمه الزكية.

قال: فلما بكى أمسكت أنا فقال: مر فمررت، قال: ثم قال: زدني [زدني] قال: فأنشدته:

يا مريم قومي واندبي مولاك *

 وعلى الحسين فأسعدي ببكاك 

 

قال: فبكى وتهايج النساء قال: فلما أن سكتن قال لي: يا با هارون من أنشد في الحسين فأبكى عشرة [فله الجنة] ثم جعل ينتقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد فقال: من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة". وهذا واحد أسرار بقاء وهج القضية الحسينية ودوامها حيث تحرك الوجدان ، فكان الحسين عليه السلام وكانت العاطفة.

نعم يبقى الفارق الكبير بين من يتاجر بعواطف الناس لقضايا خاصة وبين يحركها لديمومة يقضتها، ومن هنا كانت له عليه السلام( حرارة لا تبرد أبدا ) .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار