المقالات والبحوث

فهم الحور العين في الإسلام الأصيل

 فهم الحور العين في الإسلام الأصيل
المصدر: (واحة) وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

 فهم الحور العين في الإسلام الأصيل 

 يتخذ البعض من ذِكر الحور العين في الآيات والروايات شاهداً لطعن الإسلام من ناحية استخدام الترغيب الجنسي، وكأنما هذا البعض حصور عن النساء لا ينفعل بالجذب الجنسي. 
بل تدل مؤاخذتهم المدعاة هذه ضد الإسلام على أمرين:

الأمر الأول: أنهم يحتقرون الممارسة الجنسية ويعيبونها، فإذا علمنا أنهم يدعون إلى التحلل الجنسي ويروجون له، فيدلكم هذا أنهم يروّجون لشيء يحتقرونه فأي هاوية من احتقار الذات يريدون سوق البشرية إليها!.

الأمر الثاني: إنه يدل على أنهم لا يعتبرون المرأة إلا محلاً للشهوات الجنسية، فإذا فكر أحد من الناس بالاقتران بامرأة مثلاً ففي ثقافتهم واعتبارهم أنه إنما يبحث عن الجنس، فالزوجة عندهم مجرد جنس، فأي مجتمع وأي عائلة يبنيها مثل هؤلاء المنظّرون؟.

 والمرأة في الإسلام ليست مجرد محلاً للشهوة الجنسية، بل الشهوة الجنسية في الأدبيات الإسلامية ليست عملاً حقيراً يمارسه المؤمن مضطراً أو عملاً مخجلاً يترفع عنه الزُهاد كما في الديانات المنحرفة، بل قد ورد في صفة الأنبياء أنهم كثيرو طروق النساء.

 بل المرأة مشتقة من نفس الإنسان في عالم الملكوت فجاذبيتها ملكوتية [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] (الروم : 21)، وجمالها الملكوتي أعظم بكثير من جمالها الجسدي حتى ورد (أن زوجة المؤمن أجمل من الحور العين لأنها كانت تصلي في الدنيا) وورد (كل مؤمنة حورية)، وألفت القرآن نظر المؤمنين إلى امرأتين عظيمتين في التأريخ وجعلهما مثلاً للذين آمنوا قال الله تعالى: [وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ] (التحريم : 11-12).

وندب الإسلام إلى الزواج وجعله أعظم بيت بُني في الإسلام، وأشار إلى أسرار من العلاقة الزوجية لها آثار علمية وعملية كبيرة على العبادة.

وأما بالنسبة للحور العين، فليست هي كما يفهمه السطحيون الذين يقيسون الأمور وفق ثقافتهم المحدودة، فالحور العين من عالم آخر ونشأة أخرى لا يصح قياسها على هذا العالم قال تعالى: [إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً.. وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ] (الواقعة:35، 61).

 وقد أشار عدد من الفلاسفة وأهل المعرفة بالله إلى هذه النكتة، وأن كل ما وصف من الجنة فإنما هو تفهيم على قدر عقول المخاطبين، وأن كل ما في الجنة من نعيم فإنما مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وأما الحور العين فهي ألطاف إلهية عظيمة ومراتب في العناية لا توصف إلا بهذا التشبيه الوارد في الروايات الشريفة والآيات الكريمة.

 نعم هناك في عالم الدنيا ما يشابه ما في عالم الآخرة، فإن (ما هناك لا يُعرف إلا بما هاهنا) قال تعالى: [كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً] (البقرة: 25) وورد أن الله تعالى خلق عالم ملكه على مثال عالم ملكوته ليُستدل بملكه على ملكوته.

 فالحور العين لها جانب مشابه بالمرأة لذا فَهِمَ منها المسلمون في ذلك الزمان شيئاً مشابهاً للنساء، وذلك لأن الرجل يحب أن تنظر إليه المرأة بعناية ويلتذ بهذه النظرة وهذا الاهتمام؛ لذا كان وصف الحور في القرآن بأنهن [حُوْرٌ عِينٌ] جمع حوراء عيناء للتأكيد على جانب النظر، بل واقتصار نظرهن على أزواجهن [قَاصِراتُ الطَرفِ] أي لا ينظرن لغير أزواجهن.
بل تشير بعض الآيات على طبيعتهن التكوينية وأنهن حقيقة نظرات العناية الإلهية التي نظر الله تعالى بها إلى عباده فوفقهم للطاعة الخالصة فصارت أعمالاً وعوارض في الدنيا قال تعالى: [وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاءً بما كانوا يعملون] والجزاء من سنخ العمل، وفي الحديث أنه ما من مؤمن يغض طرفه عن امرأة أجنبية أو يرفع طرفه إلى السماء إلا وزوجه الله من الحور العين قبل أن ينزل طرفه. أي أن الله تعالى أثابه على هذا العمل بحقيقة هذه التأييد الذي جعل في قلبه نوراً سبب العفة والعزيمة على ترك الدنيا والرغبة بما عند الله.

والحياة الزوجية بين الرجل والمرأة في الإسلام ليست مجرد ممارسة جنسية بل للمرأة جوانب أخرى من الجاذبية ومقدار كبير من الاحترام وحسن معنوي يفوق بكثير الحسن المادي، ألا أن المرأة كلما تحجبت أكثر عن الرجال كلما زادت جاذبيتها وكلما أظهرت جسدها أكثر كلما فشلت جاذبيتها؟ مما يدلك على أن الجاذبية الحقيقية للمرأة نشأت من نواة ملكوتية فيها.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار