المقالات والبحوث

ثنائية النبيُّ الأكرم والصنع الإلهي

ثنائية النبيُّ الأكرم والصنع الإلهي
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عباس الناصري

بسم الله الرحمن الرحيم 

كثيرا ما يردد البعض من هنا وهناك مقولة بشرية النبي وأنه لا فرق بيننا وبينه فكلنا بشر، وهي مقولة حق يُراد بها الباطل في كثير من الأحيان، خصوصا إذا صدرت من أناس لم يترعرع الاعتقاد بالله والدين في قلوبهم. ((قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)).

 

نعم نحن نعتقد بأن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) بشرٌ كباقي البشر من حيث الخلقة والتكوين، وهو ما نطق به القرآن الكريم في قوله تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ)).

 

لكن وفي ذات الوقت نعتقد أنه (صلى الله عليه واله وسلم) شخصية متصلة بالله تعالى من خلال الوحي. ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ))، بل هو شخصية كانت من صنع الله تعالى؛ نظرا للملكات الذاتية التي كان يحملها في جوهره المقدس. عن الإمام علي (عليه السلام): ((ولَقَدْ قَرَنَ الله بِه صلّى الله عليه وآله وسلّم مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه)).

 

وإذا أردنا التعرف بدقة على تلك الحقيقة الملكوتية فعلينا الرجوع إلى العارف بها دون غيره، روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: «....وما عرفني إلّا الله وأنت.... »

 

فها هو الإمامُ عليّ (عليه السلام) يصفه بقوله: « مُسْتَقَرُّه خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ ، ومَنْبِتُه أَشْرَفُ مَنْبِتٍ ، فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ ، ومَمَاهِدِ السَّلَامَةِ)).

وبقوله: (( حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله سُبْحَانَه وتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً ، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ ـ الأصول ـ مَغْرِساً ، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه ، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه ، عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ ، وأُسْرَتُه خَيْرُ الأُسَرِ وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ)).

 

نعم كان (صلى الله عليه واله وسلم) بشر وشخصية استثنائية بكل المقاييس والاعتبارات، وهو ما ميزه عن كل الوجود، وجعله المصطفى عند الله والمنتجب من بين كلّ الأنام.

 

وأخيرا يطيب لي أن أعزي برحيل النبيّ وغيابه المؤلم، بما نطق به العارف به وبحقيقته، يقول عليٌّ وهو يعزي بوفاة حبيبه وخليله المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم): ((بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي، لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالانْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّماءِ، خَصَصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ، وَعَمَمْتَ حَتّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَواءً، وَلَوْ لاَ أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ، لأنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّؤُونِ، وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلاً، وَالْكَمَدُ مُحَالِفاً، وَقَلاَّ لَكَ وَلكِنَّهُ مَا لاَ يُمْلَكُ رَدُّهُ، وَلاَ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ)).

 

فسلام عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم بلغت ويوم انتقلت إلى صانعك وبارئك ويوم تبعث حيا.

 

من جوار الأمير علي بن أبي طالب (عليه السلام)

الشيخ عباس الناصري 

٢٨ صفر ١٤٤٢هج

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار