المقالات والبحوث

الدين بين الوحي والتكلف

الدين بين الوحي والتكلف
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم الشيخ عماد مجوت

 

  في الوقت الذي يجد الإنسان نفسه محتاجا لله والدين؛ لسد حاجته وفقره الوجودي، خصوصا في أوقات الأزمات:﴿هُوَ الَّذي يُسَيِّرُكُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ حَتّى إِذا كُنتُم فِي الفُلكِ وَجَرَينَ بِهِم بِريحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحوا بِها جاءَتها ريحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ المَوجُ مِن كُلِّ مَكانٍ وَظَنّوا أَنَّهُم أُحيطَ بِهِم دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ لَئِن أَنجَيتَنا مِن هذِهِ لَنَكونَنَّ مِنَ الشّاكِرينَ﴾[يونس: ٢٢] . ما فارق استحسانه إدخال مزاجياته في صناعة الدين قصدا تارة:﴿وَإِنَّ مِنهُم لَفَريقًا يَلوونَ أَلسِنَتَهُم بِالكِتابِ لِتَحسَبوهُ مِنَ الكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الكِتابِ وَيَقولونَ هُوَ مِن عِندِ اللَّهِ وَما هُوَ مِن عِندِ اللَّهِ وَيَقولونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُم يَعلَمونَ﴾[آل عمران: ٧٨]. 

أو توهما منه في كونه مقربا إلى الله تعالى تارة أخرى:﴿إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلِصًا لَهُ الدّينَ ، أَلا لِلَّهِ الدّينُ الخالِصُ وَالَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِهِ أَولِياءَ ما نَعبُدُهُم إِلّا لِيُقَرِّبونا إِلَى اللَّهِ زُلفى﴾[الزمر: ٢-٣]. 

 وهو ما شكل فارقا بين ما يسميه الله تعالى بدين الحق والإخلاص ﴿وَما أُمِروا إِلّا لِيَعبُدُوا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ حُنَفاءَ وَيُقيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دينُ القَيِّمَةِ﴾[البينة: ٥] ، وبين ما يسميه تعالى بالهوى أو البدعة أو التكلف . 

#والتكلف في واحدة من معانيه أن يستحسن الإنسان شيئا ، فيدخله في الدين كأنه جزء منه، وهو ما يصطلح عليه بالبدعة ايضا، كما في استعماله في بعض الروايات، فعن أمير المؤمنين(عليهم السلام) قال: ان المسلمين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله):" لو اكرهت يارسول الله من قدرت عليه من الناس على الاسلام لكثر عددنا وقوتنا على عدونا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كنت لالقى الله تعالى ببدعة لم يحدث الي فيها شيئا وما انا من المتكلفين " . فانظر إلى تسميته صلى الله عليه وآله بالبدعة واستشهد عليها بالتكلف . 

#وفي رواية أخرى عن أبي جعفر عليه السلام قال:( إن امرأة من المسلمات أتت النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن فلانا زوجي قد نثرت له بطني وأعنته علي دنياه وآخرته لم يرمني مكروها أشكو منه إليك فقال: فبم تشكينيه؟ قالت: إنه قال: أنت علي حرام كظهر أمي، وقد أخرجني من منزلي فانظر في أمري، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أنزل الله تبارك وتعالى علي كتابا أقضي فيه بينك وبين زوجك، وإني أكره أن أكون من المتكلفين ). فانظر إلى تسميته صلى الله عليه وآله ما لم يوحى إليه به بأنه تكلف يتحرج أن يلقى الله تعالى به . 

ومن هنا تحرز الفقهاء كثيرا في نسبة شيء إلى الشريعة مالم يكن واردا في الكتاب والسنة بل وثابتا بدليل معتبر، لا مجرد وروده ، كما هو منقح عندهم في أصول الفقه. 

 وعلى ضوءه حكموا على العبادات الواردة في أدلة غير معتبرة بأن الإتيان بها إنما يكون برجاء المطلوبية لا بنية جزمية؛ احتياطا من التكلف ونسبة الأحكام إلى الشارع.  

#ويشتد هذا المحذور مع الدعاوى الباطلة عقائديا، كما في دعوى السفارة أو المهدوية، صراحة أو تلويحا، حيث يشتد التحرز والأمر بالاجتناب بأشد ما يكون . 

 والمتتبع لجميع هذه الحركات يجد أنها تبدأ من الدعوة إلى الله وتهذيب النفس والدعوة الى العبادة ثم تبدأ بالإيحاء أنها مرتبطة بالإمام المهدي عليه السلام القضية التي يتفاعل معها أغلب الناس بحسن نية و من دون إلتفات منهم إلى المحاذير الشرعية المترتبة على ذلك . 

ومن هنا كان الأمان في زمن الفتن والتقلبات وكثرة الدعاوى الباطلة بالالتفاف حول الفقهاء العدول المأمونون على الدين والدنيا، فقط وفقط ، والابتعاد عن جميع الحركات غير المرتبطة بهم، وهذا هو الدين، وما عداه هوى وتكلف مهما كان صاحبه محبا للدين:﴿ثُمَّ جَعَلناكَ عَلى شَريعَةٍ مِنَ الأَمرِ فَاتَّبِعها وَلا تَتَّبِع أَهواءَ الَّذينَ لا يَعلَمونَ﴾[الجاثية: ١٨] . لأنه تعالى يريد عبده من حيث هو تعالى يريد لا من حيث عبده يريد .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار