المقالات والبحوث

امير المؤمنين (ع) بلسان خصمه

امير المؤمنين (ع) بلسان خصمه
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم الشيخ هادي الاسماعيلي 

 

((.....ودعا عمرو (بن العاص )غلامه وردان، وكان داهيا ماردا، فقال:

ارحل يا وردان، ثم قال: أحطط يا وردان ثم قال: ارحل يا وردان. أحطط يا وردان.

فقال له وردان: خلطت أبا عبد الله! أما إنك إن شئت أنبأتك بما في قلبك، قال: هات ويحك! قال: اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت: علي معه الآخرة في غير دنيا، وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، وأنت واقف بينهما، قال: قاتلك الله! ما أخطأت ما في قلبي، فما ترى يا وردان؟ قال: أرى أن تقيم في بيتك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك. 

قال: الآن لما أشهرت العرب سيري إلى معاوية !

فارتحل وهو يقول:

 

يا قاتل الله وردانا وقدحته 

أبدى لعمرك ما في النفس وردان 

 

لما تعرضت الدنيا عرضت لها 

بحرص نفسي وفي الأطباع إدهان 

 

نفس تعف وأخرى الحرص يغلبها 

 والمرء يأكل تبنا وهو غرثان 

 

أما علي فدين ليس يشركه 

دنيا وذاك له دنيا وسلطان

 

فاخترت من طمعي دنيا على بصر 

 وما معي بالذي أختار برهان 

 

إني لأعرف ما فيها وأبصره 

 وفي أيضا لما أهواه ألوان 

 

لكن نفسي تحب العيش في شرف

  وليس يرضى بذل العيش انسان 

 

فسار حتى قدم على معاوية، وعرف حاجة معاوية إليه، فباعده من نفسه، وكايد كل واحد منهما صاحبه.

فقال له معاوية يوم دخل عليه: أبا عبد الله، طرقتنا في ليلتنا ثلاثة أخبار ليس فيها ورد ولا صدر، قال: وما ذاك؟ قال: منها أن محمد بن أبي حذيفة كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه، وهو من آفات هذا الدين. ومنها أن قيصر زحف بجماعة الروم ليغلب على الشام. ومنها أن عليا نزل الكوفة، وتهيأ للمسير إلينا.

فقال عمرو: ليس كل ما ذكرت عظيما، أما ابن أبي حذيفة، فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه رجلا يقتله أو يأتيك به، وإن قاتل لم يضرك .

وأما قيصر فأهد له الوصائف وآنية الذهب والفضة، وسله الموادعة فإنه إليها سريع. وأما علي فلا والله يا معاوية، ما يسوي العرب بينك وبينه في شئ من الأشياء، وإن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش، وإنه لصاحب ما هو فيه إلا أن تظلمه. هكذا في رواية نصر بن مزاحم عن محمد بن عبيد الله .

وروى نصر أيضا عن عمر بن سعد قال: قال: معاوية لعمرو: يا أبا عبد الله، إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى الله وشق عصا المسلمين، وقتل الخليفة وأظهر الفتنة، وفرق الجماعة وقطع الرحم، فقال عمرو: من هو؟ قال: علي قال: والله يا معاوية ما أنت وعلي بحملي بعير، ليس لك هجرته ولا سابقته، ولا صحبته ولا جهاده، ولا فقهه ولا علمه.

 ووالله إن له مع ذلك لحظا في الحرب ليس لأحد غيره، ولكني قد تعودت من الله تعالى إحسانا وبلاء جميلا ، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال: حكمك، فقال: مصرٌ طعمة. فتلكأ عليه معاوية.

قال نصر: وفي حديث غير عمر بن سعد: فقال له معاوية: يا أبا عبد الله، إني أكره لك أن تتحدث العرب عنك أنك إنما دخلت في هذا الامر لغرض الدنيا، قال عمرو: دعني عنك، فقال معاوية: إني لو شئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت، قال عمرو: لا، لعمر الله ما مثلي يخدع، لأنا أكيس من ذلك، قال معاوية: أدن مني أسارك، فدنا منه عمرو ليساره، فعض معاوية أذنه، وقال: هذه خدعة! هل ترى في البيت أحدا ليس غيري وغيرك!

 

قلت( بن ابي الحديد): قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى: قول عمرو له: " دعني عنك " كناية عن الالحاد، بل تصريح به، أي دع هذا الكلام لا أصل له، فإن اعتقاد الآخرة.

أنها لا تباع بعرض الدنيا من الخرافات.

وقال رحمه الله تعالى: وما زال عمرو بن العاص ملحدا، ما تردد قط في الالحاد والزندقة، وكان معاوية مثله، ويكفي من تلاعبهما بالاسلام حديث السرار المروي، وأن معاوية عض أذن عمرو، أين هذا من سيرة عمرو؟ وأين هذا من أخلاق علي ع، وشدته في ذات الله، وهما مع ذلك يعيبانه بالدعابة!))

...............

شرح نهج البلاغة بن ابي الحديد ج٢ ص ٦٣ وما بعدها

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار