المقالات والبحوث

الغيب والساعات المغلقة

الغيب والساعات المغلقة
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

 

الشيخ عماد مجوت

 

الإيمان بالغيب سمو ذاتي يبني النفس، ويبعث فيها فاعلية الحياة والإستفادة من فرصتها في التقديم للدار الآخرة. 

 

والمؤمن من يجعل فوق الأسباب الطبيعية تدخلات يد الغيب في الساعات المغلقة ليفتح نافذة من الأمل والتفائل. 

 

نعم طبيعة الإنسان في هذه الساعات التي تغلق عليه مفاتيح الأسباب الطبيعية تفرض عليه الشعور بالقلق، الذي يسد معه كل فرص الإستفادة من القابليات المودعة فيه، بما فيها التفاؤل والأمل الباعثين فيه محركية التغير والبقاء .

والقرآن الكريم أهتم كثيرا في ربط الإنسان بالغيب ليأمن له استشعار حالة تجاوز الانغلاق وأثاره النفسية عليه، ليفتح له باب الإرتفاع فوق الأسباب الطبيعية. 

وقد رسم القرآن الكريم صورا متعددة لتدخلات يد الغيب في الساعات المغلقة ليجعلها درسا تربويا للإيمان بالغيب وخلق حالة نفسية سامية عنده وأملا بناءا. 

ومن هذه الصور ما ذكره تعالى لحالتين متقابلتين يجمعهما التعويل على الأسباب الطبيعية، مع أن أحدهما يفترض فيها أنها مؤمنة تختلف عن الأخرى بنظرتها، غير أنها قصرت نظرتها على الأسباب متناسية مسبب الأسباب ويده الغيبية، كما يبينه تعالى في قوله: ﴿هُوَ الَّذي أَخرَجَ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِم لِأَوَّلِ الحَشرِ ما ظَنَنتُم أَن يَخرُجوا وَظَنّوا أَنَّهُم مانِعَتُهُم حُصونُهُم مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبوا وَقَذَفَ في قُلوبِهِمُ الرُّعبَ يُخرِبونَ بُيوتَهُم بِأَيديهِم وَأَيدِي المُؤمِنينَ فَاعتَبِروا يا أُولِي الأَبصارِ﴾[الحشر: ٢] . 

فانظروا إلى الصورة الأولى للمؤمنين "ما ظَنَنتُم أَن يَخرُجوا " حيث أغلقت في نظرهم الأسباب، وفي القبال الصورة الثانية لغير المؤمنين" وَظَنّوا أَنَّهُم مانِعَتُهُم حُصونُهُم مِنَ اللَّهِ " حيث تحصنوا بنظرهم بالأسباب .

فبين متناس ليد الغيب حين أغلقت عليه الأسباب، وبين معول عليها غافلا عن يد الغيب، جاءت القوى التي تعلو على الأسباب لتفرض واقعا خارجا على الأسباب " فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبوا وَقَذَفَ في قُلوبِهِمُ الرُّعبَ " ليغير ذلك الواقع، جاعلا منه عبرة تكوينية لكل ذي لب " فَاعتَبِروا يا أُولِي الأَبصارِ " .

ولا تذهب بك المذاهب أن فرض يد الغيب عقيدة جبرية تقابل تفويض الإعتماد على الأسباب في مانعية حصونهم، فإنهما طرفي أفراط وتفريط، بل يد الغيب تهيء سببا غيبا للأخذ به أسماه " مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبوا " كما يشهد له في الآية السابقة قوله تعالى " يُخرِبونَ بُيوتَهُم بِأَيديهِم وَأَيدِي المُؤمِنينَ " فهو تعالى هيء السبب الغيبي وجعل الأخذ به من فعل العبد .

 

وصورة أخرى من صور يد الغيب في الساعات المغلقة ما كان لبني إسرائيل من قوم موسى عليه السلام حين أدركهم فرعون بجنوده، وكان البحر أمامهم وفرعون من ورائهم، فأغلقت الأبواب عندهم وليس للأسباب سبيل ينتهوا إليه:﴿فَأَتبَعوهُم مُشرِقينَ * فَلَمّا تَراءَى الجَمعانِ قالَ أَصحابُ موسى إِنّا لَمُدرَكونَ﴾[الشعراء: ٦٠-٦١]، غير أن المؤمن باليد العالية على الأسباب يجد سببا فوقها يتعلق به ليكون خيطا للأمل :﴿قالَ كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهدينِ﴾[الشعراء: ٦٢] . فكان السبب الغيبي حاضرا، غير أنه تعالى جعله بيد موسى عليه السلام ليبقى قانون الأسباب والمسببات جاريا، فقال تعالى له عليه السلام: ﴿فَأَوحَينا إِلى موسى أَنِ اضرِب بِعَصاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظيمِ﴾[الشعراء: ٦٣] . فما عاد البحر هو البحر، ولا فرعون والجند هم الند. 

 

وهناك حيث الإيمان بيد الغيب تعلو على الأسباب ينفتح باب الرجاء، ويذهب الخوف والقلق من القادم ، ويأتي الفضل والرحمة : ﴿الَّذينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إيمانًا وَقالوا حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ * فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضلٍ لَم يَمسَسهُم سوءٌ وَاتَّبَعوا رِضوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذو فَضلٍ عَظيمٍ﴾[آل عمران: ١٧٣-١٧٤]. فانظر إلى الإيمان بالغيب " وَقالوا حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ " ، كيف تعقبه الروح والرحمة" فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضلٍ لَم يَمسَسهُم سوءٌ وَاتَّبَعوا رِضوانَ اللَّهِ " فما عاد مع الإيمان بالغيب باب مغلق إلا والرجاء مفتاحه.

فكن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن فوق كل سبب سببا.

الشيخ عماد مجوت

 

الإيمان بالغيب سمو ذاتي يبني النفس، ويبعث فيها فاعلية الحياة والإستفادة من فرصتها في التقديم للدار الآخرة. 

 

والمؤمن من يجعل فوق الأسباب الطبيعية تدخلات يد الغيب في الساعات المغلقة ليفتح نافذة من الأمل والتفائل. 

 

نعم طبيعة الإنسان في هذه الساعات التي تغلق عليه مفاتيح الأسباب الطبيعية تفرض عليه الشعور بالقلق، الذي يسد معه كل فرص الإستفادة من القابليات المودعة فيه، بما فيها التفاؤل والأمل الباعثين فيه محركية التغير والبقاء .

والقرآن الكريم أهتم كثيرا في ربط الإنسان بالغيب ليأمن له استشعار حالة تجاوز الانغلاق وأثاره النفسية عليه، ليفتح له باب الإرتفاع فوق الأسباب الطبيعية. 

وقد رسم القرآن الكريم صورا متعددة لتدخلات يد الغيب في الساعات المغلقة ليجعلها درسا تربويا للإيمان بالغيب وخلق حالة نفسية سامية عنده وأملا بناءا. 

ومن هذه الصور ما ذكره تعالى لحالتين متقابلتين يجمعهما التعويل على الأسباب الطبيعية، مع أن أحدهما يفترض فيها أنها مؤمنة تختلف عن الأخرى بنظرتها، غير أنها قصرت نظرتها على الأسباب متناسية مسبب الأسباب ويده الغيبية، كما يبينه تعالى في قوله: ﴿هُوَ الَّذي أَخرَجَ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِم لِأَوَّلِ الحَشرِ ما ظَنَنتُم أَن يَخرُجوا وَظَنّوا أَنَّهُم مانِعَتُهُم حُصونُهُم مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبوا وَقَذَفَ في قُلوبِهِمُ الرُّعبَ يُخرِبونَ بُيوتَهُم بِأَيديهِم وَأَيدِي المُؤمِنينَ فَاعتَبِروا يا أُولِي الأَبصارِ﴾[الحشر: ٢] . 

فانظروا إلى الصورة الأولى للمؤمنين "ما ظَنَنتُم أَن يَخرُجوا " حيث أغلقت في نظرهم الأسباب، وفي القبال الصورة الثانية لغير المؤمنين" وَظَنّوا أَنَّهُم مانِعَتُهُم حُصونُهُم مِنَ اللَّهِ " حيث تحصنوا بنظرهم بالأسباب .

فبين متناس ليد الغيب حين أغلقت عليه الأسباب، وبين معول عليها غافلا عن يد الغيب، جاءت القوى التي تعلو على الأسباب لتفرض واقعا خارجا على الأسباب " فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبوا وَقَذَفَ في قُلوبِهِمُ الرُّعبَ " ليغير ذلك الواقع، جاعلا منه عبرة تكوينية لكل ذي لب " فَاعتَبِروا يا أُولِي الأَبصارِ " .

ولا تذهب بك المذاهب أن فرض يد الغيب عقيدة جبرية تقابل تفويض الإعتماد على الأسباب في مانعية حصونهم، فإنهما طرفي أفراط وتفريط، بل يد الغيب تهيء سببا غيبا للأخذ به أسماه " مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبوا " كما يشهد له في الآية السابقة قوله تعالى " يُخرِبونَ بُيوتَهُم بِأَيديهِم وَأَيدِي المُؤمِنينَ " فهو تعالى هيء السبب الغيبي وجعل الأخذ به من فعل العبد .

 

وصورة أخرى من صور يد الغيب في الساعات المغلقة ما كان لبني إسرائيل من قوم موسى عليه السلام حين أدركهم فرعون بجنوده، وكان البحر أمامهم وفرعون من ورائهم، فأغلقت الأبواب عندهم وليس للأسباب سبيل ينتهوا إليه:﴿فَأَتبَعوهُم مُشرِقينَ * فَلَمّا تَراءَى الجَمعانِ قالَ أَصحابُ موسى إِنّا لَمُدرَكونَ﴾[الشعراء: ٦٠-٦١]، غير أن المؤمن باليد العالية على الأسباب يجد سببا فوقها يتعلق به ليكون خيطا للأمل :﴿قالَ كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهدينِ﴾[الشعراء: ٦٢] . فكان السبب الغيبي حاضرا، غير أنه تعالى جعله بيد موسى عليه السلام ليبقى قانون الأسباب والمسببات جاريا، فقال تعالى له عليه السلام: ﴿فَأَوحَينا إِلى موسى أَنِ اضرِب بِعَصاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظيمِ﴾[الشعراء: ٦٣] . فما عاد البحر هو البحر، ولا فرعون والجند هم الند. 

 

وهناك حيث الإيمان بيد الغيب تعلو على الأسباب ينفتح باب الرجاء، ويذهب الخوف والقلق من القادم ، ويأتي الفضل والرحمة : ﴿الَّذينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إيمانًا وَقالوا حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ * فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضلٍ لَم يَمسَسهُم سوءٌ وَاتَّبَعوا رِضوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذو فَضلٍ عَظيمٍ﴾[آل عمران: ١٧٣-١٧٤]. فانظر إلى الإيمان بالغيب " وَقالوا حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ " ، كيف تعقبه الروح والرحمة" فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضلٍ لَم يَمسَسهُم سوءٌ وَاتَّبَعوا رِضوانَ اللَّهِ " فما عاد مع الإيمان بالغيب باب مغلق إلا والرجاء مفتاحه.

فكن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن فوق كل سبب سببا. 

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار