المقالات والبحوث

الإستقامة بين الإرادة والقرار

الإستقامة بين الإرادة والقرار
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

 

 بقلم الشيخ: عماد مجوت

 

 الإستقامة مفردة إيجابية تحمل مضمونها معها فهي إيجابية مفردة ومضمونا، ومن هنا لامست الفطرة وكانت مطلبا فطريا للإنسان وإن لم يكن متلبساً بها لكنه يرفض نعته بمقابلها.

ولكن لم تكن الأمنيات كافية في إتصاف الإنسان بها ما لم يتخذ القرار النفسي بالإتصاف بها، وقراره هو أردته لذلك.

 #والإرادة تبدأ من حيث الإيحاء للقوة الفاعلة بأتخاذ المواقف العملية، كما يشهد له قوله تعالى: ﴿وَلَو أَرادُوا الخُروجَ لَأَعَدّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعاثَهُم فَثَبَّطَهُم وَقيلَ اقعُدوا مَعَ القاعِدينَ﴾[التوبة: ٤٦]. حيث تشكل الإرادة مفترق الطريق نحو أتجاهي السبيل ، فالطريق حيث الإرادة : ﴿مَن كانَ يُريدُ العاجِلَةَ عَجَّلنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَن نُريدُ ثُمَّ جَعَلنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصلاها مَذمومًا مَدحورًا * وَمَن أَرادَ الآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعيَها وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعيُهُم مَشكورًا * كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهؤُلاءِ مِن عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحظورًا﴾[الإسراء: ١٨-٢٠].

 

#ومن نظم إرادته لحكم العقل والشرع مشت به نحو الإستقامة والحق : ﴿إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلّا تَخافوا وَلا تَحزَنوا وَأَبشِروا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم توعَدونَ﴾[فصلت: ٣٠]. 

#فالاستقامة تبدأ من حيث الإرادة، والإرادة لا تكفي كرغبة نفسية ما لم يكن هناك قرار لاتخاذ ما يريد حيث يمثل أتخاذ القرار تجسيدا للإرادة و الثبات والأستقرار ومنه سميت " الآخَرِةُ " " دَارُ القَرَارِ ".

 

????️ ومن هنا قيل فيما يتخذه الإنسان من موقف بأنه " قَرَارُ " وقالوا في تعريفه :" ما قُرِّر وثبَت عليه الرَّأْي، ما صمَّم عليه الإِنسان بعد التَّفكير ومضَى فيه بثَبات ".

 

ومنه كانت موقف المسؤول تسمى قرارا فقالوا:" هُوَ مِنْ أَهْلِ القَرَارِ : مِنْ أَهْلِ السُّلْطَةِ وَالرَّأْيِ " .وصاحب القرار اذا كان قراره قطعيا قيل عنه "قَرارٌ لا رُجوعَ عنه" .

وفي قباله من لم يكن له قرار ، أو كان ولكنه غير ثابت، قيل عنه :"مَنْ لاَ يَسْتَقِرُّ عَلَى رَأْيٍ ".

 

وقد أستعمل القرآن الكريم مفردة القرار في معناها اللغوي بمعنى المستقر والثابت ، كما في قوله تعالى :"جَهَنَّمَ  يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ "  ﴿٢٩ ابراهيم﴾ ، وقوله تعالى :" قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا  بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ " ﴿٦٠ ص﴾ ، وقوله تعالى :"وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ  دَارُ الْقَرَارِ " ﴿٣٩ غافر﴾. 

وقوله تعالى: " كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ  مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ " ﴿٢٦ ابراهيم﴾. 

#أما بمعنى إتخاذ القرار فقد أسماه القرآن عزما كما في قوله تعالى : ﴿فَإِذا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ﴾[آل عمران: ١٥٩]. اي إذا اتخذت قرار جزميا فأمضه بالتوكل على الله تعالى. 

ومن هنا تحدث القرآن الكريم عن أن إتخاذ القرار( العزم ) له شروط ومقدمات، كما في قوله تعالى حديثا عن المواقف العملية : ﴿طاعَةٌ وَقَولٌ مَعروفٌ فَإِذا عَزَمَ الأَمرُ فَلَو صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيرًا لَهُم﴾[محمد: ٢١].

#وكذلك في الحياة ألاسرية ، كما في قوله تعالى بعد أن ذكر تعالى إتخاذ القرار : ﴿وَإِن عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَميعٌ عَليمٌ﴾[البقرة: ٢٢٧]. جعل مرتبطا بشروط : ﴿وَلا تَعزِموا عُقدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبلُغَ الكِتابُ أَجَلَهُ﴾[البقرة: ٢٣٥]. 

 

#وعبر تعالى عن إتخاذ القرار بمعنى المواقف العملية النفسية ، كما في الصبر ، والتقوى والثبات بأنه من العزم ، بل من أعلى عزائم الأمور ، قال تعالى : ﴿لَتُبلَوُنَّ في أَموالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا أَذًى كَثيرًا وَإِن تَصبِروا وَتَتَّقوا فَإِنَّ ذلِكَ مِن عَزمِ الأُمورِ﴾[آل عمران: ١٨٦]. 

#بل حتى في طريق الدعوة إلى الله تعالى تحدث عن ذلك ، كما في قوله تعالى : ﴿يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأمُر بِالمَعروفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِن عَزمِ الأُمورِ﴾[لقمان: ١٧]. فإذا تم القرار والعزم تمت الإرادة ومعها تتحقق الإستقامة ومعها تفاض البركات:﴿إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلّا تَخافوا وَلا تَحزَنوا وَأَبشِروا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم توعَدونَ * نَحنُ أَولِياؤُكُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُم فيها ما تَشتَهي أَنفُسُكُم وَلَكُم فيها ما تَدَّعونَ﴾[فصلت: ٣٠-٣١]

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار