المقالات والبحوث

المتنمر في ذات الله

 المتنمر في ذات الله
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

 

بقلم /ام محمد السوداني 

رغم انها تتألم مع كل شهيق يدخل صدرها المهشوم، يعصر اضلاعها المرضوضه، تزفره دموع وحسرات على فقد روحها محمد،الا أنها لم تتوان عن اداء الرسالة وأكمال التبليغ- والله يعصمها من الناس- .وقفت كالطود العظيم رغم تصدعه بمسمار الغدر والنفاق لتفرق بين الحق والباطل ،وتضع النقاط على الحروف، وترسم نهجا للبشرية كي تسير عليه بعد الانقلاب فرغم مرور اكثر من الف وثمانمائة سنة على كلامها إلاأن خطب الزهراء كان شاهدا على ما جرى وسيجري على البشرية منذ ذلك اليوم الى يومنا هذا بل الى يوم القيامة ؛ ويظن البعض  ان الزهراء خرجت للمطالبة بأرثها الدنيوي ،إلا أن المتأمل  بخطب الزهراء سيلاحظ انها خرجت لنصرة الله ورسوله ،وللمطالبة بتنفيذ وصية رسول الله االاخيرةلأمته (اوصيكم بكتاب الله وعترتي اهل بيتي ما  أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا )١،قامت بثورة  لأثارة الوعي المجتمعي،واعادته لتطبيق احكام الله وشريعته ،بإتباع الخليفة الالهي ، لذلك ركزت بخطبها العظيمة على بيان دور امير المؤمنين من خلال محورين مهمين ،واللذان كانا احد اسباب انقلاب الامة وهما : 

المحور الاول :الدور الجهادي لعلي ابن ابي طالب في الدفاع عن الاسلام الفتي مع رسول الله 

 

 

.فقالت في خطبتها الفدكية(تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم .

فأنقذكم الله تعالى بمحمد ،بعد اللتيّاوالتي ،و بعد أن مُني ِببُهم الرجال ،وُذؤبان العرب ،ومردة أهل الكتاب ،كّلما أ قدوا

نارا للحرب أطفأها الله ،او نجم قرن للشيطان ،او فغرت فاغرة من المشركين ،قذف اخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه،ويخمد لهبها بسيفه ،مكدودا بذات الله،ُ

مجتهدا في امر الله 

قريبا من رسول الله 

سيدا في اولياء الله 

مشمرا ناصحا ،مجدا كادحا 

وانتم في رفاهية من العيش 

وادعون فاكهون آمنون 

تتربصون بنا الدوائر 

وتتوكفون الاخبار 

وتنكصون عند النزال 

وتفرون من القتال 

تصف السيدة الزهراء بكلمات بلاغية واضحة دور امير المؤمنين ونصرته لرسول الله ،فهو الفدائي الاول والمناصر والحامي والمدافع ،،فمنذ اليوم الاول الذي حمل فيه النبي ثقل الرسالة وجد الى جانبه من يعينه على حملها ويدافع عنها بكل اخلاص وتفاني وفداء، افتدى علي ابن  ابي طالب رسول الله ونام بفراشه ليلة هجرته المباركة لإنقاذ الاسلام من بطش الكافرين وحقد المرجفين ،ومدح القران الكريم هذا الفداء العظيم (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد )البقرة ،٢٠٧ .والمراد هنا :باع نفسه لله تعالى ،ولا يبتغي إلا ارادته عز وجل ،ومرضاته لا يهتم إلا بأصلاح الامور وتشيد أركان الدين واحياء الحق٢ ،وشجاعة أمير المؤمنين  لا تخفى على  احد ،واعترف بها العدو قبل الصديق ، فهو يد رسول الله الضاربة وسيفه القاطع،  شارك بجميع غزوات رسول الله وكان قبة الميزان في كل معارك الدفاع المقدس حتى قال امير المؤمنين: (وقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنقص فيها الابطال ،وتتأخر فيها الاقدام ،نجدة اكرمني الله بها ... )٣،فكلما اوقدوا نارا للحرب قذف رسول الله اخاه علي ليطفها بسيفه ،فمعركة بدر نصر الله المسلمين وهم اذلة ،وقد ُقتل  نصف المشركين وابطالهم بسيف علي ،وقتل النصف الاخر بيد المسلمين والملائكة ،حتى امتلأت قلوب المشركين والمنافقين والحاسدين بغضا لعلي ابن ابي طالب ،ومعركة احد انهزم الجمع وولوا الدبر،وكان الاسلام على المحك وبحاجه لرجال يدافعون عنه في اللحظات الحرجة وقد اجتمعت قريش للقضاء عليه والانتقام لاشياعها واسلافها  ببدر ،انهزم المسلمون بسبب عصيانهم لأوامر رسول الله ،وطمعهم بغنائم الحرب ،ولم يثبت احد بالمعركة الا علي ابن ابي طالب ،كان الموت قاب قوسين او ادنى من رسول الله الذي كان يصيح يا علي رد عني هؤلاء وهؤلاء وعلي يدافع عن رسول الله حتى اثخن بالجراح ،وجبريل ينادي لا فتى الا علي ولا سيف الا ذو الفقار ،اما الخندق فقد كانت معركة الحسم والنصر المبين ،اختزلت الحق والباطل بشخصيتين علي ابن ابي طالب الايمان كله برز لعمرو بن ود العامري الشرك كله فبضربة علي يوم الخندق التي تعدل اعمال الثقلين ،اعتدل ميزان الحق ،وكفى الله المؤمنين القتال بعلي ابن ابي طالب ،ودخل العز في كل بيت مسلم ،ودخل الذل بكل بيت مشرك ،اما خيبر فحدث ولا حرج ،حتى صارت مثلا يضرب بها عند العرب ،ولو كان البحر مداد والاشجار أقلام، لنفذت ولا تنفذ فضائله وشجاعته ،ورغم حقد الاعداء وعملهم على تحريف التاريخ ودفن فضائل امير المؤمنين ومرور السنين  والدهور الا انه يزداد علو ومنزلة ،كالشمس في رونق الضحى ،وقول رسول  الله مشهور بين المحب والمبغض (ما قام الدين ولا استقام الا بسيف علي )٤ لهذا قالت (مكدودا في ذات الله ،مجتهدا في امر الله ،قريبا من رسول الله )

 

 

 

المحور الثاني :دور امير المؤمنين في حماية الاسلام وحفظه بعد رسول الله 

عمل امير المؤمنين طول حياته على خدمة الدين والحفاظ على الامة الاسلامية حتى بعد سلب الخلافة الشرعيه منه ،بقي يعمل على تحصين الامة من الانهيار بعد سقوط التجربة _تجربة الخلفاء_واعطائها من المقومات القدر الكافي لكي تبقى وتعيش الامة الاسلامية بروح الرسالة، ولم يكن يعمل لنفسه ،كان يريد ان يبني زعامة للإسلام وقيادة الاسلام للبشرية ،كان مصرا على ان يعطي العمل الشخصي طابعا رساليا لا طابع المكاسب الشخصية٥ .

لهذا لم يعارض السلطة بعد ان اتفق المسلمين على السقيفة إلا قليل منهم  ،بل ساعدهم وقدم المشورة والنصح،وقال مقولته الشهيرة لما عزموا على بيعة عثمان :(لقد علمتم اني احق الناس بها من غيري ،ووالله لأسلمن ما سلمت امور المسلمين )٦

وبينت السيدة الزهراء دور امير المؤمنين في خطبتها على النساء في بيتها قالت :(والله لو تكافّوا عن زمام نبذه رسول الله إليه لاعتقله ،ولسار بهم سيرا سُجُحا.........ولأوردهم منهلا نميرا ،صافيا رؤيّافضفاضا،تطفح ضفتاه،ولا يترنق جانباه،

ولأصدرهم بِطانا ،ونصح لهم سرا واعلانا ،ولم يكن يحلى من الغنى بطائل ،ولا يحظى من الدنيا بنائل .........) 

تبين الزهراء باستعمالها للكنايات البلاغية والاشارات عن الحياة السعيدة التي كان الناس يعيشونها  لو اطاعت الامة رسول الله واتبعت خليفته المختار ، ولساد الامن والعدل ،ولن ينال امير المؤمنين الزاهد من دنياهم الفانية شيء سواء هداية الناس ورضاء الله عز وجل ،ولكن الامة رفضت ذلك لماذا ؟!!

تجيب السيدة الزهراء بخطبتها مع النساء بقولها :(ويحهم !!   أنّى  زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ،ومهبط الروح الأمين، والطبين بأمور الدنيا والدين ،(ألا ذلك هو الخسران المبين )الزمر :١٥)

وما الذي نقموا منه -والله -نكير سيفه ،وقلة مبالاته ،وشدة وطأته ونكال وقعته ،وتنمره في ذات الله عز وجل .....)

بينت بكلام واضح وجلي وبألفاظ جزلة جامعه ومانعه،واقسمت قسما عظيم على ان سبب  سلب الخلافة من امير المؤمنين هو (والله نكير سيفة وقلة مبالاته وشدة وطأته وتنمره في ذات الله عزوجل )

كان امير المؤمنين لا يهادن بقول الحق ولا يبالي بكثرة الناس حوله ولا يهمه امر الخلافة بل المهم عنده رضا الله عزوجل وقد صرح بذلك قي في كثير من المواقف وفي خطبه المباركة ،ومنها قال عبد الله ابن عباس :دخلت يوما على امير المؤمنين بذي قار وهو يخصف نعله ؛فقال لي :ما قيمة هذه النعل ؟

فقلت :لا قيمة لها ،فقال عليه السلام :والله لهّي أحبُّ إليّ من إمرتكم إلا أن اقيم حقاً ،او ادفع باطلاً)٦   

كان الفاصل الكبير بينه وبين الناس :انه يفكر في الاسلام ،وأولئك يفكرون في انفسهم ؛فكانوا يريدون اماما وخليفة يضمن لهم منافعهم الشخصية ،وقصة طلحة والزبير المعروفه  تشهد على ذلك ،فبعد ان بايع الناس امير المؤمنين، ومنهم من اظهر الوفاق وهو مصر على النفاق ،قسم امير المؤمنين ما في بيت المال بالسوية بين الانصار والمهاجرين ،فاعترض بعضهم على ذلك ،فصعد امير المؤمنين المنبر وبعد كلام طويل  قال :(....ولم تكن بيعتكم لي فلته وليس أمري وأمركم واحدا ،ألا وأني اريدكم لله عز وجل وأنتم تريدونني لأنفسكم ....)٧

(اريدكم لله)اريدكم ان تسمو بأنفسكم وتحكموا عقولكم ،وتغلبوا اهواءكم  ،اراد ان يحقق 

ارادة الله عزوجل على الارض ،ولكن الجاهلية ما زالت راسخه بأنفسهم والحقد والكراهية وحب الدنيا وزخارفها مسيطر على عقولهم ،واشار  ة ،واهمها واقعة الطف التي قتل فيها الحسين عليه السلام  ،بعد ان قتل اصحابه واهل بيته ،توجه للقوم (قال :ويلكم على مَ تقاتلوني ؟على حق تركته ؟ام على شريعه بدّلتها ؟ام على سنّة غّيرتها ؟فقالوا : نقاتلك بغضاً منا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين ،فلما سمع كلامهم بكى ....)٨ 

وورد هذا المعنى في دعاء الندبه للامام الحجه بقوله :(....وقاتل على التأويل ولا تأخذه في الله لومة لائم ،قد وتر صناديد العرب وقتل أبطالهم  وناوش ذؤبانهم فاوغل قلوبهم احقاداَ بدريّةو خيبرية  وحُنينية وغيرهنّ،فأضبت على عدواته ،وأكبّت على منابذته حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين ......والأمة مصرة على مقته،    وقطيعة رحمه .......)٩

وقال ابن عمر لعلي عليه السلام :كيف تحبك قريش وقد قتلت في بدر وأحد من ساداتهم سبعين سيداً ،تشرب أنوفهم الماء قبل شفاههم ) ١٠

ورغم كل هذا الحقد الدفين الذي واجهه امير المؤمنين مع رسول الله وبعده ورغم ما جرى على اهل بيته وذريته في حياته وبعد مماته  من ذبح وتهجير، وملاحقة سلاطين الجور المتعاقبة ،ورغم اخبار رسول الله عما سيحصل له ولذريته بسبب تنمره في ذات الله واندفاعه في محاربة المنافقين والقاسطين إلاأنه لم  يتوان لحظه عن الدفاع عن الاسلام ،وتثبيت قواعده الرفيعه ،فجمع القران الكريم ونشره احكامه وفسر اياته ،وقاتل علي التنزيل مع رسول الله،كما  قاتل على التأويل بعد رسول الله ،وبقي مخلصا لله عزوجل ،لم

 

يغضب يوما لنفسه ، بل غضبه كان لله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول آلله ولم يبال لاجتماع الناس حوله ،ولم يطلب رضاهم ،بل ظل يجاهد كالنمر رغم جراحه العميقة ،ويقتحم اهوال الحروب المعنوية والبدنيه ويقاتل اعداء الدين من الجن والشياطين بلا هوادة ، لهذا وصفته الزهراء بالمتنمر في ذات الله عز وجل .

 

 

المصادر 

١-تحف العقول ،٢٥٠.

٢-تفسير مواهب الرحمن للسبروازي ،٢٢٥

٣-نهج البلاغة ،٣٤٥

٤-بحار الانوار ج٣،   ١٥٠

٥-من مقالات السيد محمد باقر الصدر ،بتصرف.

٦-نهج البلاغة، الخطبة ٣٣.

٧-الارشاد ١: ٢٤٣.

 

٨-موسوعة كلمات الامام الحسين عليه السلام ،ص ٥٩٣

٩-اقبال  الأعمال لابن طاووس ،٦٠٤

١٠-بحار الانوار ،ج٣ ،٢٤٤

٠١١فاطمه من المهد الى اللحد للقزويني .

١٢ -الشافي للسيد المرتضى ،خطبة الزهراء ،ص٣٠٠

 

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار