المقالات والبحوث

خُلقتُ رغماً عني .. لم يستشرني الله .. فبأي حق يعذبني ربكم المزعوم ؟!!

خُلقتُ رغماً عني ..  لم يستشرني الله .. فبأي حق يعذبني ربكم المزعوم ؟!!
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

بقلم : حسن عطوان

???? خُلقتُ رغماً عني .. 

لم يستشرني الله ..

فبأي حق يعذبني ربكم المزعوم ؟!!

إشكال يردده البعض ، 

بعضهم ملحدون ،

وبعضهم إمّعات يرددون كل مايسمعون .

 

???? ونجيب عن هذا الإشكال بإيجاز يناسب المقام فنقول :

 

نحن نسأل مَن يطرح هذا الإشكال :

 الى أي شيء تريد أن تتوصل ؟؟

وماذا تريد أنْ تقول ؟؟

وبأي شئ أنت تؤمن ؟؟

 

هل تبني على أنَّ الله غير موجود !

وبالتالي ليس هو الخالق ، إنّما خلقتنا المادة أو الطبيعة ؟!

اذا كانت هذه عقيدتك ؟؟

فحينئذ نسألك هل الطبيعة او المادة تتصف بالقدرة والحكمة ؟؟ أم لا ؟؟ 

 

فإنْ قلت نعم تتصف بالقدرة والحكمة 

فنعيد السؤال عليك ،

لماذا خلقتك الطبيعة رغماً عنك ولم تستشرك !!

فمثل هذا الخلق عبثيٌ ،

اذ خلقتك لدنيا بائسة كلها مصاعب ومعاناة ! 

فهل من الحكمة أنْ يعيش كثير من الناس في هذه الدنيا وهم مظلومون ، مهتضمون ، فقراء ؟؟ 

ولا شيء يعوضهم ، اذ بحسب عقيدتك أنَّ حياة الإنسان تنتهي عند حافة القبر ، 

فلا ثواب ولا عقاب !

فهل هناك عبث أكثر من ذلك ؟!

 

وإنْ قلت أنَّ الطبيعة لاتتصف بذلك ؟؟

فنقول كيف لطبيعة لاتتصف بالقدرة ولا بالحكمة أنْ تخلق إنساناً وكوناً بهذا النظم البديع ؟! 

 

وإنْ كنت لاتقول بذلك ..

بل تؤمن : بأنَّ الله موجود وهو الخالق .

 

فنسألك هل تؤمن بأنَّ الله حكيم وعادل

 أم لا ؟؟

فإن قلت انَّ الله ليس حكيماً ولاعادلاً ،

فيأتي السؤال كيف لمن لايتصف بالحكمة

 أنْ يخلق الإنسان والكون بهذا النظام الرائع ؟! 

 

أمّا بشأن العدل ، فهو سبحانه عدل محض ؛

وذلك لأنَّ الظلم ينشأ من أحد أسباب ثلاثة ، وكلها محال على الله عزَّ وجل ّ : 

إما من الجهل بقبح الظلم ، 

أو من العجز عن تحقيق هدفه إلا بإرتكابه ،

 أو من اللغو والعبث .

والله منزه عن الجهل والعجز والعبثية .

فعلمه بكل شئ وقدرته على كل شئ وحكمته البالغة توجب أنْ يكون عادلاً ومنزهاً عن كل ظلم .

 

وإنٌ أقررت بأنه سبحانه حكيم وعادل ..

فحينئذ لايبقى معنىً لسؤالك ،

فمادمت توافقنا بأن الله خالق قادر حكيم عادل ، 

فحتى لو لم نعرف الحكمة من وجود شيء في هذا الكون ، ولم نعرف الحكمة من خلقنا ،

فنُرجع الأمر اليه سبحانه .

 

هب أننا نعجز عن فهم الحكمة الواضحة من خلقنا لقصور في عقولنا ، فلايصح أنْ نشكك بثوابت إيماننا لمجرد تساؤلات تُروّج لها شياطين الإنس والجن .

 

وبعبارة أخرى : 

 

عقيدتنا أنَّ الله سبحانه وتعالى حكيمٌ ، 

لايخلق شيئًا عبثًا ، وهو سبحانه عدْلٌ ، 

لا يظلم أحدًا ، سواء أدركنا الحكمة في مورد ما او لم ندركها .

يقول جلَّ وعلا : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) [ المؤمنون : 115 ] .

 

???? على إنَّ القرآن الكريم يجيب المؤمنين به عن فلسفة الخلق ، إذ يقول : 

( ‏وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) [ الذاريات : 62 ] 

 

توضيح ذلك : 

 

نحن نؤمن بأنّ خالق هذا العالم حكيم ،

وقد خلق هذا الكون عن حكمة جزماً وإنْ جهلناها ، هذا من جانب .

و من جانب آخر حين نرى هذا النظام البديع في خلقة الإنسان والكون ، حيث يجد الإنسان أنًَ لكل جزءٍ من الكون ولكل عضوٍ من أعضاءه فلسفة وحكمة وهدفاً .

مما يجعلنا نطمئن بأنّ لخلق الإنسان هدفاً عظيماً .

الآية المباركة تتحدث عن الغاية من خلق الإنسان :

(‌ وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‌ ) ،

 

والعبادة هنا لها معنیً عامّ ينطبق علی كل ما يفعله الإنسان طلباً لرضا الله سبحانه .

 

قد تقول ما هي حاجة الله سبحانه إلی العبادة ؟! 

العبادة ليست حاجة لله سبحانه ،

فهذا التصور ناشئ من المقايسة بين صفات الخالق والمخلوق ، فحيث أنّ وجودنا محدود فإنّنا نسعی وراء إشباع حاجاتنا . 

 

إلّا أنّ هذا غير وارد بحق وجودٍ مطلق ، 

فينبغي البحث عن هدف أفعاله في غير وجوده ، 

فهو عينٌ فيّاضة و مبدأ النعمة ،

 وهو الذي يكتنف الموجودات في كنف حمايته ورعايته للوصول بها إلی الكمال ،

 وهذا هو الهدف الواقعي لعبوديتنا ،   

ففلسفة عباداتنا ، أنّها جميعاً خطوات لتكاملنا .

 

فالهدف من خلقنا هو الوصول لكمالنا ، 

أو بتعبير آخر القرب من اللّه والكدح اليه ، 

في مسيرةٍ لوجودنا الناقص نحو الوجود الكامل الذي لا نهاية له .

 

ولعل قائل يقول : أين العدل في دخولنا النار .

 

 والجواب : إنَّ الله لا يحاسبنا عما كنا مجبرين فيه بل يحاسبنا على مانحن مخيرين فيه ،

فالحساب على أفعالنا في الدنيا .

أما أنّه لماذا أوجدنا قهراً ، 

فهذا كمَن يعترض على والديه ، 

ويقول لماذا أنجبتماني ولِمَ لم تخيراني بين الوجود والعدم ، 

وهذا سؤال خاطئ ،

فخروج الإنسان إلى الدنيا تفضّل ونعمة .

 

صاحب الإشكال يريد أنْ يربط مفهوم العدل بالتخيير فقط في الإيجاد .

وهذا خطأ فمفهوم العدل مرتبط بالتخيير في العمل .

ووعد الله سبحانه بالثواب لمن آمن وعمل صالحاً ، وتوعد بالعقاب لمن عصى وكفر .

 

والمستشكل إما أنّه يريد أنْ يفرض على الله سبحانه ألا يخلقه في الأصل ؛ كي لا يعذب ظناً منه أنَّ العذاب على مَن خُلق وليس على من كُلف ، أو لأنه لا يؤمن بالثواب والعقاب ويريد حياة عبثية .

 

روي عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) رواية لطيفة ، تبين الغرض من الخلق ، يقول : 

( إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه ) . [ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 12 ، باب ( 9 ) ، باب علة خلق الخلق ... ] 

 

فهل هناك غرض أسمى من أنْ يكون الإنسان حراً ويستغني عن عبادة غير الله من أشخاص او أصنام أو أفكار بشرية ؟!!

 

نسأل الله سبحانه حسن العاقبة .

 

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار