المقالات والبحوث

الكتابة بين المسؤولية والرغبة والإنفعال

الكتابة بين المسؤولية والرغبة والإنفعال
المصدر: واحة_وكالة انباء الحوزة العلمية

✍بقلم : الشيخ عماد مجوت

 

   قد نستشعر احياناً المسؤولية التي تدعونا الى الكتابة، ولكن هذا لا يعني أن ما نكتبه يكون مسؤولاً؛ فهنالك فرق بين استشعار المسؤولية وبين أن يكون ما نكتبه مسؤولاً.

 #فما لم يكن ما نكتبه ناشئاً عن وعي وبصيرةٍ وضوابط قانونية لذلك الكلام سواء كانت شرعية ام عرفية، فإن استشعارنا للمسؤولية لا يكون مغنياً عما يسببه ما نكتب من مخالفات شرعية و إرباك إجتماعي.

 

 #ما نراه اليوم مثلاً من كتاباتٍ تدخل في ضمن تخصصات الفقهاء وابداء لأحكام شرعية على ضوئها، أو تصوير هذا الفعل بالشرعية وعدمها، وان هذا الفعل ليس هكذا وينبغي ان يكون هكذا، فإنه وإن كان في واقعه استشعارا للمسؤولية لكنه ليس كلاماً مسؤولاً لان الكاتب ليس اهلاً لأن يبدي رأيه في مثل هذه المواضيع.

 

#وهذا كما أنه لا يكون منتجاً من هذه الجهة, كذلك يكون موجباً للخروج عن الإستقامة من جهة من جهةٍ أخرى؛ لأنه تناول ما ليس له.

 

 #والقرآن الكريم تحدث في موارد متعددة, عن الإلتزام باللوازم المترتبة على تناول ما ليس من مختصات الإنسان، كما في قوله تعالى:﴿وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا﴾[الإسراء: ٣٦]. فما لم يكن من مختصات الإنسان وداخل تحت احاطته العلمية يكون تجنيا منهيا عنه.

بل قد يصل إلى حد الدخول في حد الافتراء كما في قوله تعالى:﴿وَلا تَقولوا لِما تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفتَروا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذينَ يَفتَرونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفلِحونَ﴾[النحل: ١١٦]. وربما جرى على اللسان بإندفاع الشعور بالمسؤولية ولكنه كبير عند الله تعالى:﴿إِذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وَتَقولونَ بِأَفواهِكُم ما لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وَتَحسَبونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظيمٌ﴾[النور: ١٥]. ومن هنا كانت لهجة:﴿وَقِفوهُم إِنَّهُم مَسئولونَ﴾[الصافات: ٢٤]. نبرة الصوت المقرع لمن لا يلتفت إلى ذلك، مسؤولية تقف على كل حرف يكتبه الإنسان:﴿إِذ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيانِ عَنِ اليَمينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعيدٌ * ما يَلفِظُ مِن قَولٍ إِلّا لَدَيهِ رَقيبٌ عَتيدٌ﴾[ق: ١٧-١٨].

 

#هذا كله من جهة الشعور بالمسؤولية، بل حتى مع الشعور بالمسؤولية و كون الكلام مسؤولاً ينبغي ان لا يكون ردة فعلٍ مقابلة لفعلٍ؛ فمن يوجه لك انتقاداً لا ينبغي أن ترد عليه بردة فعلٍ، ولا أن من يختلف معك لا بد أن ترده بردة فعلٍ وان كان كلامه غير مطابق للواقع أو كان فيه تجاوزا عليك؛ لأن عنصر الأخلاق هو العنصر الشامي الذي ينبغي ان يتعالى حتى على القانون:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾[النحل: ٩٠]. حيث كان الإحسان اوسع من العدل، لأنه معيار أخلاقي.

 

 #بل هو ما جسدته سيرة الأنبياء عليهم السلام، فأي تجاوز أكبر من قولهم لشعيب عليه السلام استضعافا له :﴿قالوا يا شُعَيبُ ما نَفقَهُ كَثيرًا مِمّا تَقولُ وَإِنّا لَنَراكَ فينا ضَعيفًا وَلَولا رَهطُكَ لَرَجَمناكَ وَما أَنتَ عَلَينا بِعَزيزٍ ﴾. ولكنه عليه السلام لم يتعامل بردة فعل، بل تعالى عن ذلك بقوة منطقه ومعياره الأخلاقي في التعامل:﴿قالَ يا قَومِ أَرَهطي أَعَزُّ عَلَيكُم مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذتُموهُ وَراءَكُم ظِهرِيًّا إِنَّ رَبّي بِما تَعمَلونَ مُحيطٌ * وَيا قَومِ اعمَلوا عَلى مَكانَتِكُم إِنّي عامِلٌ سَوفَ تَعلَمونَ مَن يَأتيهِ عَذابٌ يُخزيهِ وَمَن هُوَ كاذِبٌ وَارتَقِبوا إِنّي مَعَكُم رَقيبٌ﴾[هود: ٩١-٩٣].

 

#بل أحياناً قد تصل طريقة الاستخفاف الى حد تجاوز كل آداب الحوار في إستعمال المفردات ، كما في قولهم لهود عليه السلام:﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبينَ﴾, فأي فضاضة أكبر من هذه، ولكنه لم يقابلهم بردة فعل، بل واجههم بكل برودة أعصاب، بقوله:﴿قالَ يا قَومِ لَيسَ بي سَفاهَةٌ وَلكِنّي رَسولٌ مِن رَبِّ العالَمينَ﴾[الأعراف: ٦٦-٦٧]. 

 

#فالخاتمة أنا نحتاج مع استشعار المسؤولية في الكتابة أن تكون كتابة مسؤولة، وأن تكون كتابة خاليةً عن ردة الفعل، حينها تكون الكتابة مرضية عنده تعالى.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار