المقالات والبحوث
خصائص الأسلوب الخطابي عند الشهيد الصدر (القسم الأول)
الشيخ عبد الهادي الطهمازي
تميزت خطب السيد الشهيد محمد صادق الصدر (قده) بعدة خصائص مهمة جعلتها خطبا غاية في التأثير، وسلبت بروعتها لب الجماهير، ولامست شغاف القلوب، فجاءت بأبدع اسلوب، رغم بساطة اللغة التي استعملها في خطبه، وعفويته المميزة في الإلقاء، ومن بين تلك الخصائص الكثيرة:
1-الأسلوب الصوتي الخاص.
للصوت في الخطابة أهمية كبيرة، فصوت الخطيب مُترجِم عن مقاصده، وكاشفٌ عن أغراضه، وهو المُعَوَّل عليه في إيصال الخطبة إلى السامعين، ومِنْ ثم إلى قلوبهم.
ومن دلائل تأثير الصوت في النفوس: أنه قد يقرأ القرآن حافظ متقن مجوِّد؛ لكنه لا يحسن الأداء في القراءة، فلا يؤثر في مستمعيه. وقد يقرأ القرآن من ليس بمجود ولا متقن؛ فيُبكي سامعيه بجودة أدائه، وحسن صوته.
ولقد كان للسيد الشهيد (قده) أسلوبه الصوتي الخاص، ونبرته مميزة التي تستحوذ على المشاعر، كما امتاز صوته بالوضوح، وحسن مخارج الحروف، وسلامة النطق من العيوب، وروعة الإلقاء، وجما الأسلوب في العرض، والتدفق في الحديث، لا سريعا في الخطاب فلا يدرك السامع معانيه، لا بطيئا فيسأم منه مستمعوه.
2-الجرأة في طرح وتناول الموضوعات
ومن جملة ما تميزت به خطب السيد الشهيد الصدر (قده) هي جرأته في طرح وتناول المواضيع التي يتجنبها أغلب رجال الدين خوفا من التعرض الى الاستهجان والاستنكار من قبل عامة الناس.
فالكثير من الناس قد تعود على صور نمطية في مواضيع الخطابة كالمواضيع الفقهية أو العقائدية أو غيرها من المواضيع التي لا يختلف عليها اثنان.
وتناول الخطيب مواضيع لا يختلف عليها اثنان كالحديث عن التقوى أو الصبر أو الإمامة أو غير ذلك من المواضيع التي اعتاد الخطباء على طرحها لا تشكل نقطة فارقة وعلامة مهمة تسجل في سجل مميزات الخطيب.
وإنما القيمة الحقيقة للموضوع هو أن يثير الجدل في الأوساط الاجتماعية ويحرك العقول من سباتها ما بين موافق ومعارض.
وقد كانت خطبه (قده) في الغالب تتسم بجرأة في طرح الموضوع مهما كان مثيرا للجدل، أو يعرضه الى التساؤل والاستفهام في ظل دولة بوليسية، وسلطة غاشمة تحسب على الناس الأنفاس.
فتناول في خطبة مواضيع في غاية الأهمية والجرأة، وتحدث الى طبقات الناس مخاطبا وداعيا لهم الى الله سبحانه، فخاطب الغجر، وغيرهم من الناس الذين لا يتوقع منهم رجال الدين أن يهتدوا الى الله.
3-الحماسة وصدق العاطفة
كما تميزت خطبه (قده) بالحماسة، وصدق العاطفة وقوتها، فهو يقول ما يعتقد، ويؤمن بما يتكلم به، وذلك كان نابعا من عمق إيمانه، واخلاصه للإسلام.
إن المشاعر معدية لأن الناس يتأثر بعضهم ببعض، فالطفل يبكي لبكاء أمه، والصديق يحزن لحزن صديقه، والجار يفرح لفرح جاره، فعملية التأثر بعواطف الآخرين لا شك ولا ريب فيها، وهذا ما دعا أئمتنا (ع) أن يدعونا الى البكاء على الحسين (ع)، فإن لم يكن فالتظاهر بالبكاء (التباكي)، لأن العاطفة كما قلت معدية تسري من شخص الى آخر سريان النار في الهشيم.
وقوة منطق السيد الشهيد (قده)، وعلو همته، وحماسته الفائقة لقضايا الدين، وغيرته على الإسلام والمسلمين، وإخلاصه لله ورسوله (ص) كانت تسري منه الى الجمهور، فتخرج الجماهير وهي مليئة بالحماس، مصممة الى الالتزام بما يقول.
بطبيعة الحال يجب أن نعرف أن التأثير لا يبقى للأبد مهما كان الخطيب أوحديا، وإنما الكلام في الفترة الزمنية التي يبقى فيها التأثير، فهناك خطيب قد يزول تأثير كلامه بمجرد كفكفة الدموع، وهناك من يتكلم فيبقى تأثير كلامه يومين أو ثلاثة أيام.
يقول الشيخ الشهيد مرتضى المهطري (قده): كنا نحضر يوم الخميس درسا أخلاقيا على يد الإمام الخميني (قده) فيبقى تأثير درسه في نفسي الى الاثنين أو الثلاثاء.
4-تغاير الأسلوب.
من الأساليب المؤثرة في الخطابة والتي تعين الخطيب على شد انتباه الجمهور الى الخطبة هو تغاير أسلوبه في الإلقاء.
فمن الواضح أن هدف الخطيب وغايته القصوى هي أن يفهم الجمهور ما يقول، ويستوعب معانيه، وذلك لا يتحقق بطبيعة الحال إلا إذا كان الجمهور في حالة انتباه دائم.
وهناك عدة طرق وأساليب لجذب انتباه الجمهور واستمراره على التركيز مع ما يقول الخطيب. ومن هذه الطرق تغاير الأسلوب في الإلقاء مرة بصورة أخبار، وأخرى بصورة إنشاء، وثالثة بصورة استفهام، ورابعة بصورة تعجب....
ومن سمع خطب السيد الشهيد (قده) يجد تغاير الأسلوب لديه ذلك واضحا تمام الوضوح.
ومن أساليب جذب انتباه الجمهور أيضا: التواصل مع الجمهور أثناء الخطاب، بأن يشهد الجمهور على صحة كلامه، أو يوجه للجمهور سؤالا ثم يقوم هو بالإجابة عليه بعد أن يتيقن الجمهور بأن هذه الإجابة هي الصحيحة. وهذا الأسلوب واضح في خطب السيد الشهيد (قده).
يتبع.
© Alhawza News Agency 2019