المقالات والبحوث

الأهداف وشخصنة القضايا ✍️ الشيخ عماد مجوت

الأهداف وشخصنة القضايا  ✍️ الشيخ عماد مجوت
المصدر: واحة - وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف

♦️ الأهداف وشخصنة القضايا

✍️ الشيخ عماد مجوت

 

واحدة من أهم مفردات نجاح الأنبياء عليهم السلام في تثبيت ما يدعون إليه هي الإبتعاد عن صياغة مفردات الحوار مع المختلفين معهم صياغة شخصية، وهذا ما نراه جليا في حواراتهم القرآنية، كمل في قوله تعالى:﴿قالوا يا شُعَيبُ ما نَفقَهُ كَثيرًا مِمّا تَقولُ وَإِنّا لَنَراكَ فينا ضَعيفًا وَلَولا رَهطُكَ لَرَجَمناكَ وَما أَنتَ عَلَينا بِعَزيزٍ ﴾ 

فوصفهم إياه ﴿ضَعِيفًا﴾ أي لَسْتَ مِنَ الكُبَرَاءِ، وَلا الرُّؤَسَاءِ.والذي يمنعنا منك ﴿رَهْطُكَ﴾ أي عَشِيرَتُكَ.أما أنت فلست ﴿بِعَزِيزٍ﴾ بِصَاحِبِ قَدْرٍ وَمَنْزِلَةٍ، والطريقة الاستعلائية واضحة ولكنه مع ذلك لم يستفز وينساق معها، وإنما قابلهم بالفكرة والقيم التي يدعو إليها : ﴿قالَ يا قَومِ أَرَهطي أَعَزُّ عَلَيكُم مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذتُموهُ وَراءَكُم ظِهرِيًّا إِنَّ رَبّي بِما تَعمَلونَ مُحيطٌ﴾[هود: ٩١-٩٢].

 

#بل قد تصل حالة الاستخلاف درجة عالية من إستعمال المفردات القاسية بحقهم كما في قولهم لهود عليه السلام: ﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُم هودًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ أَفَلا تَتَّقونَ * قالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبينَ﴾. فأي مفردة أقسى من وصف ﴿سَفَاهَةٍ﴾ أي خِفَّةِ عَقْلٍ وعدم الرشد مع عظيم نفوس الأنبياء عليهم السلام، ولكن لم يشخصن عليه السلام المسألة أو تأثر بما قيل فيه، بل نقل الحديث إلى المسألة الأهم وهو متبنياته الدينية :﴿قالَ يا قَومِ لَيسَ بي سَفاهَةٌ وَلكِنّي رَسولٌ مِن رَبِّ العالَمينَ * أُبَلِّغُكُم رِسالاتِ رَبّي وَأَنا لَكُم ناصِحٌ أَمينٌ﴾[الأعراف: ٦٥-٦٨].

 

 #بل أمتدت ثقافة التركيز على القضايا الجوهرية والإبتعاد عن الشخصنة إلى أتباع الأنبياء عليهم السلام لتشكل ثقافة أخلاقية متميزة، كما في قوم صالح عليه السلام، كما في قوله تعالى: ﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لِلَّذينَ استُضعِفوا لِمَن آمَنَ مِنهُم أَتَعلَمونَ أَنَّ صالِحًا مُرسَلٌ مِن رَبِّهِ﴾؟ فالخطاب هنا لم يكن بين المكذبين من ملا القوم ونبيهم بل بينهم وبين المؤمنين، فكان جواب المؤمنين:﴿قالوا إِنّا بِما أُرسِلَ بِهِ مُؤمِنونَ﴾[الأعراف: ٧٥]. أي بما أرسل به عليه السلام من شريعة وأحكام، وهي قضية عامة ليست بشخصية.

 

#ان ما ترسمه الثقافة القرآنية من قضية أخلاقية في ميدان الحوارات الفكرية عموما والعقدية على وجه الخصوص هو تثبيت قواعد القضايا الجوهرية والتي لا تتفق مع تأطيرها بأطر شخصية، وهي حقيقة واقعها يمكن تلمسه بسهولة فما من دعوة أو حركة ربطت بشخص دون مبادئه إلا وماتت بموته، ومن هنا خلد الأنبياء والأئمة عليهم السلام جميعاً لأنهم أصحاب مشاريع لا قضايا شخصية، وهو ما يدعو إلى أن يركز أصحاب الأهداف على جوهر ما يدعون إليه بعيدا عن الأهتمام بالقضايا الشخصية، بل حتى لو كانت القضايا الجوهرية مرتبطة بعنوان شخصي فإن التنازل عن الجنبة الشخصية واجبة في قبال المصالح العامة العليا كما فعل القرآن الناطق عليه السلام لما عزموا على بيعة عثمان :" لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَوَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَفَضْلِهِ وَزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ" .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار