المقالات والبحوث

قيمة الشيء في الحاجة اليه ✍️. السيد فاضل الموسوي الجابري

قيمة الشيء في الحاجة اليه  ✍️. السيد فاضل الموسوي الجابري
المصدر: واحة - وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف

قيمة الشيء في الحاجة اليه

✍️. السيد فاضل الموسوي الجابري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

هناك مقولة مشهورة تقول : ( لا قيمة للخشب امام الذهب ولكن عند الغرق ستتمسك بالخشب ولن تلتفت الى الذهب ! فان قيمة الشيء لا تتضح الا عند الحاجة اليه) . 

هناك أشياء كثيرة في حياتنا لها قيمة كبيرة ولكن قد لا نلتفت الى قيمتها الا عندما نحتاجها , بل قد نبخسها حقها ونزدري بها ونحتقرها , ولكن حينما نقع في موقف ينحصر الحل بهذا الشيء الذي غفلنا عنه فسوف نندم لأننا فرطنا به .

 وهذه قضية عامة غير خاصة بالأشياء المادية والمعنوية . فان للأهل والوالدين والاخوة والاخوات والاقرباء والأصدقاء قيمة عظيمة لابد ان لا نفرط بها او نغفل عنها . وكذا للأمن والسلامة والراحة والدعة والفراغ والسعة والعمر والشباب والعلم والعلماء والكتب والمؤلفات وغير ذلك قيمة عظيمة يجب ان لا نفرط بها . 

أيها العزيز .... انت محاط بأشياء كثيرة لها قيمة عظيمة فالتفت اليها واعرف قيمتها قبل ان تفقدها فتندم على ما فرطت وضيعت . ولذا فان من يفرط في طاعة الله بحجة قضاء الوطر من الشباب فهو واهم جدا , لان الله تعالى اخبرنا بقوله : ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ الزمر (56). وقَالَ جَلَّ في عُلاه: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ الفرقان (27). وقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ الكهف (42). وقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ الحج (74).

وبالتالي أقول للجميع : اعرفوا قيمة علمائكم قبل ان يغادروا هذه الدنيا وانتم غافلون عن الاستفادة منهم بما ينفعكم في دنياكم واخرتكم . فان قيمة العالم كبيرة عند الله ورسوله واهل البيت عليهم السلام . وانتم من دونهم تائهون جاهلون ضالون لا تعرفون معالم دينكم , فكما ان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) هو واسطة بين الله تعالى وبين خلقة , والائمة المعصومين وسائط بين الرسول وبين الناس , فان العلماء هم وسائط بين الائمة وبين الناس. 

عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وَ إِلَى الْقُضَاةِ أَ يَحِلُّ ذَلِكَ قَالَ مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ وَ مَا يَحْكُمُ لَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وَ إِنْ كَانَ حَقّاً ثَابِتاً لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُكْفَرَ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ‏ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ‏ قُلْتُ فَكَيْفَ يَصْنَعَانِ قَالَ يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوَى‏ حَدِيثَنَا وَ نَظَرَ فِي حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا وَ عَرَفَ أَحْكَامَنَا فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ وَ عَلَيْنَا رَدَّ وَ الرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ وَ هُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّه‏ .

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: الْفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ‏ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَ مَا دُخُولُهُمْ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: اتِّبَاعُ السُّلْطَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ، فَاحْذَرُوهُمْ عَلى‏ دِينِكُمْ» . 

 عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «مَا مِنْ‏ أَحَدٍ يَمُوتُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَبَّ إِلى‏ إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ فَقِيهٍ» .

وعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ‏ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ الْفَقِيهُ‏ ، ثُلِمَ‏ فِي الْإِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا يَسُدُّهَا شَيْ‏ءٌ » 

اننا نجد اليوم ان بعض الشيعة يهتمون بالساسة ووجهاء المجتمع وأصحاب الأموال والشهادات ويقدموهم ويسمعوا ويطيعوا لهم ويفدوهم بأنفسهم واهلهم اكثر بكثير من اهتمامهم بالفقهاء والعلماء ممن يحمل علوم القران والعترة .

فهل ان قيمة كل تلك الشرائح الاجتماعية اكثر من قيمة العلماء والفقهاء ؟! وهل ان حاجتكم اليهم اكبر واكثر من حاجتكم لمن يرسم لكم معالم الاخرة ويبصركم في دنياكم ويكون دليلا لكم على الله ورسوله واهل البيت وصراطه المستقيم ودينه القويم وكتابه الكريم ؟!

  لعمري ان هذا من دواعي الانزلاق والضياع وفقدان الهوية والبوصلة , وهو مخالف لتوجيهات اهل البيت عليهم السلام في معرفة قيمة الانسان بقدر ما يحمل من علوم اهل البيت . ولذا قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) - لابنه الصادق ( عليه السلام ) - : يا بني ! اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإن المعرفة هي الدراية للرواية ، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ، إني نظرت في كتاب لعلي ( عليه السلام ) فوجدت في الكتاب : أن قيمة كل امرئ وقدره معرفته. 

ولذا ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فضل العالم على غيره كفضل النبي على أمته . وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : العلماء أمناء الله على خلقه . 

نسال الله تعالى الهداية للجميع والبصر والبصيرة وان لا نكون من الغافلين المبعدين المخذولين , كما قال الامام السجاد عليه السلام في دعاء ابي حمزة الثمالي : أَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَنِي مِنْ مَجَالِسِ‏ الْعُلَمَاءِ فَخَذَلْتَنِي‏ . 

 

27 محرم 1443هـ النجف الاشرف

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار