المقالات والبحوث

هل يجوز السفر في شهر رمضان اختياراً ؟

هل يجوز السفر في شهر رمضان اختياراً ؟
المصدر: واحة - وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف

هل يجوز السفر في شهر رمضان اختياراً ؟

 

لا إشكال ولا خلاف في جواز السفر في نهار شهر رمضان في الجملة بدلالة الروايات الكثيرة ، وإنما الخلاف في كون هذا الجواز مطلقاً أو مقيداً. فـ (( المشهور شهرة عظيمة - كادت تكون إجماعاً )) [1] جواز السفر في شهر رمضان والإفطار فيه اختياراً من غير ضرورة ولو للفرار من الصوم – كما في العروة الوثقى ومن تأخّر عنه - وخالف فيه أبو الصلاح فقال في الكافي: ((إذا دخل الشهر على حاضر، لم يحل له السفر مختاراً))[2].

 

وقد اقتصرت أغلب المصادر على نسبة الخلاف إليه فقط. وحكى المحقق النراقي (قدس سره) الخلاف ((عن الإسكافي والعماني، حيث قالا بعدم جواز الإفطار في سفرة للتلذذ والتنزه وإن أوجبا القضاء))[3].

 

ويظهر الخلاف أيضاً من الشيخ المفيد في المقنعة وتبعه الشيخ الطوسي (قدس سره) في التهذيب ولم يشيروا إليه فقد نقل قول المقنعة: ((ولا ينبغي للإنسان أن يخرج إلى السفر في شهر رمضان إلا لضرورة تدعوه إلى ذلك ويكون سفره في ذلك طاعة أو مباحاً، فأما ما له عنه مندوحة فلا يجوز الخروج فيه))[4].

 

فمشهور القدماء إذن على عدم الجواز، ومما تقدم يظهر أن الخلاف موجود في عدة اتجاهات:-

1-أصل الحكم بين المنع والجواز.

2-وعلى القول بالجواز بين كراهة السفر وأفضلية الإقامة أو الاختلاف بحسب الموارد.

3-وفي امتداد الحظر على طول الشهر أو إلى خصوص الثالث والعشرين.

4-وفي حدود الضرورة، لتشمل تشييع المؤمن أو استقباله كما ورد في الروايات الشريفة.

 

وقد ناقش سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي اغلب الوجوه المتصورة كأدلة للأقوال المتقدمة وتبين ان العمدة التي مكن التعويل عليه هي الروايات الخاصة وهي على طائفتين: (طائفة مجوزة وطائفة مانعة).

 

اما المجوزة : فقد وصل سماحته الى نتيجة فيها إنها لا تدل على الجواز مطلقاً خصوصاً مع وجود الطائفة الثانية الدالة على المنع.نعم توجد روايات أخرى تدلّ على جواز السفر ولكن لمسوِّغ وهو هنا تشييع مؤمن أو استقباله، وليس الجواز مطلقاً حتى للفرار من الصوم - كما قيل- .

 

اما الطائفة المانعة فبعد استعراضها ومناقشة الآراء فيها كانت حصيلتها لا يخلو من أحد أمرين:

1- أنها إرشاد إلى ما في صوم رمضان من الثواب الذي لا ينبغي للمؤمن تفويته وإن كان بعذر مبيح للإفطار إلا لأمر أرجح منه، فتكون على نحو قوله تعالى: [وَأَنْ تَصُومُوا خَيرٌ لَكُمْ].

 

2-أنها ناهية عن إيجاد العذر المرخص للإفطار إلا لأمر راجح شرعاً أو عقلائياً كالذي ورد في ترك الطواف لقضاء حاجة مؤمن ونحوه.

 

والراي المختار لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي انه لا دليل على الرخصة في السفر اختياراً حتى لو كان للفرار من الصوم والروايات المتقدمة (محل الاستدلال) هي أخص من المدعى، بل وجدنا أن الدليل على خلافها.

 

كما ان سماحته ذيل رايه المختار بنكتة لطيفة وقيمة جديرة بالاهتمام وهي ضرورة اختيار التعابير الانسب لهداية الناس وتقريبهم الى الطاعة ,قال (دام ظله) : ومما تقدم يظهر وجه ما اختاره الشيخان المفيد والطوسي وأبو الصلاح (قدس الله أسرارهم) من النهي عن السفر في شهر رمضان لمن اجتمعت عنده شروط الأداء إلا لضرورة، وهذا التعبير أنسب لهداية الناس وتقريبهم إلى الطاعة، إذ يمكن أن يقول المفتي: ((يجوز السفر في شهر رمضان إذا وجدت ضرورة لذلك)) ويمكن أن يقول: ((لا يجوز السفر في شهر رمضان إلا لضرورة)) ومؤداهما واحد، لكن الثاني أنسب لحال الناس حتى يمتنعوا من السفر حتى يتأكدوا من المبرر وبهذا اللسان وردت الطائفة الثانية، أما التعبير الأول فإن الناس تأخذ منه الرخصة وتتسامح في الشرط، وهذا ما ورد في صحيحة الحلبي في الطائفة الأولى؛ لذا سكت الإمام (عليه السلام) أكثر من مرة قبل أن يجيب، ومؤداهما واحد وهي الرخصة المشروطة أي عدم الجواز إلا لضرورة لكن هذه الضرورة أوسع من الاضطرار المسوِّغ لارتكاب المحرمات كأكل الميتة.

 

انظر موسوعة فقه الخلاف لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) ج 3 , ص154 والصادر عن دار الصادقين 1441-2020

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] مستمسك العروة الوثقى : 8/437.

[2] مختلف الشيعة: 3/266, المسألة (73).

[3] مستند الشيعة:10/ 369.

[4] مختلف الشيعة: 3/346, المسألة (82).

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار