المقالات والبحوث

دين وقوانين الإجتماع ✍️ الشيخ عماد مجوت

دين وقوانين الإجتماع  ✍️ الشيخ عماد مجوت
المصدر: واحة - وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف

 دين وقوانين الإجتماع

 

✍️ الشيخ عماد مجوت

 

   العلاقات الاجتماعية ضرورة تتطلبها مقتضيات الإجتماع، وهي قضية ربما يستشعرها الإنسان بلا حاجة إلى استدلال كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿أَهُم يَقسِمونَ رَحمَتَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنا بَينَهُم مَعيشَتَهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَرَفَعنا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَتُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ﴾ [الزخرف: ٣٢].

 

    ومدنية طبع الإنسان التي تفرض عليه شبكة من العلاقات العامة والخاصة مع الناس، تبدأ من أصغر دائرة وهي الأسرة وتنتهي باوسع دائرة يمكن أن يتعاطى معها وهو المجتمع وإن اختلفت دائرته سعة و ضيفاً حسب نوع الحاجة إلى المجتمع وطبيعة شخصية الفرد المتحرك ضمن ذلك الإطار:﴿يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقناكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثى وَجَعَلناكُم شُعوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ﴾ [الحجرات: ١٣].

 

#ولا يخفى أن طبيعة تلك المنظومة من العلاقات لا بد لها من تنظيم يخرجها عن العشوائية والإرتجال، الذي غالباً ما يوقع الإنسان في الخلافات والتقاطع ، ولذلك أحتاج إلى قانون ينظم له ذلك .

 

#وربما ناسب ذلك القانون طبيعة تأمين الحقوق أو إلزامه بالواجبات كما يطالب هو بحقوق له ، وبهذا هو مرتبط بما يراه واضع القانون من طريقة لتثبيت الحقوق والواجبات، ولكن من دون يزيد على ذلك شيئاً من مما يرتبط بالسلوك أو التفكير أو الاعتقاد.

 

#غير أن ما رسمه القرآن الكريم من خطوط عامة للعلاقات تجاوز دائرة الحقوق والواجبات إلى توفير قوانين تحفظ بموجبها السلامة الفكرية والاعتقادية والنفسية ، بل جعلها أساس العلاقات العامة والخاصة، كما في قوله تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوّي وَعَدُوَّكُم أَولِياءَ تُلقونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَد كَفَروا بِما جاءَكُم مِنَ الحَقِّ يُخرِجونَ الرَّسولَ وَإِيّاكُم أَن تُؤمِنوا بِاللَّهِ رَبِّكُم إِن كُنتُم خَرَجتُم جِهادًا في سَبيلي وَابتِغاءَ مَرضاتي تُسِرّونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ وَأَنا أَعلَمُ بِما أَخفَيتُم وَما أَعلَنتُم وَمَن يَفعَلهُ مِنكُم فَقَد ضَلَّ سَواءَ السَّبيلِ﴾ [الممتحنة: ١]. الناهية عن إتخاذ عدو الله تعالى ورسوله أولياء وإلقاء المودة لهم.

 

#ولم يكن رسما لطبيعة العلاقة التي يفرضها مبدأي الإيمان والكفر فحسب بل قدم نموذجا يحتذا به في رسم مسار تلك العلاقة كما في قوله تعالى:﴿قَد كانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبراهيمَ وَالَّذينَ مَعَهُ إِذ قالوا لِقَومِهِم إِنّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمّا تَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ كَفَرنا بِكُم وَبَدا بَينَنا وَبَينَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغضاءُ أَبَدًا حَتّى تُؤمِنوا بِاللَّهِ وَحدَهُ إِلّا قَولَ إِبراهيمَ لِأَبيهِ لَأَستَغفِرَنَّ لَكَ وَما أَملِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيءٍ رَبَّنا عَلَيكَ تَوَكَّلنا وَإِلَيكَ أَنَبنا وَإِلَيكَ المَصيرُ﴾[الممتحنة: ٤]. التي ضرب مثلا للمؤمن الذي يتخلى عن مودة من كان عدوا لله ورسوله ولو كان من ذي القربى، حيث يمثل الدائرة الأقرب له .

 

#فالآية بصدد بيان أن العلاقات مع الأرحام ينبغي أن لا تكون على حساب أحكام الله تعالى ورضاه ولذلك قال تعالى:﴿لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ مَن حادَّ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلَو كانوا آباءَهُم أَو أَبناءَهُم أَو إِخوانَهُم أَو عَشيرَتَهُم أُولئِكَ كَتَبَ في قُلوبِهِمُ الإيمانَ وَأَيَّدَهُم بِروحٍ مِنهُ وَيُدخِلُهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ أُولئِكَ حِزبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ المُفلِحونَ﴾[المجادلة: ٢٢].

 

#فالمؤمن في الدنيا مطالب بدعوة أهله وأرحامه إلى رضوان الله تعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارًا وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ عَلَيها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعصونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ﴾[التحريم: ٦]. وبشرهم بإلحاقهم بهم مع الإيمان:﴿وَالَّذينَ آمَنوا وَاتَّبَعَتهُم ذُرِّيَّتُهُم بِإيمانٍ أَلحَقنا بِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَما أَلَتناهُم مِن عَمَلِهِم مِن شَيءٍ كُلُّ امرِئٍ بِما كَسَبَ رَهينٌ﴾ [الطور: ٢١]. وأوجب صلتهم في الدنيا لأنه من الصلاح فيها، وتركه فساد في الأرض:﴿الَّذينَ يَنقُضونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ ميثاقِهِ وَيَقطَعونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيُفسِدونَ فِي الأَرضِ أُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ﴾[البقرة: ٢٧]. وبين أن يوم القيامة كل مسؤول عن أعماله.

 

#فالآية لا تنفي أحكام الدنيا ، ولكنها تنفي نفعهم يوم القيامة لإنشغال كل شخص بنفسه :﴿يَومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أَخيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنيهِ * لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنيهِ﴾[عبس: ٣٤-٣٧].

#نعم ترتيب وترسيم تلك العلاقات على ضوء معايير تتجاوز حدود الواجبات والحقوق لا ينافي طبيعة العلاقات العامة القائمة على أساس التعايش ، والاحتياج الإنساني كما في قوله تعالى : ﴿لا يَنهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم فِي الدّينِ وَلَم يُخرِجوكُم مِن دِيارِكُم أَن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ * إِنَّما يَنهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ قاتَلوكُم فِي الدّينِ وَأَخرَجوكُم مِن دِيارِكُم وَظاهَروا عَلى إِخراجِكُم أَن تَوَلَّوهُم وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ﴾ [الممتحنة: ٨-٩].:

 فالآية تؤصل مبدأ التعايش السلمي مع عدم الاعتداء، فهو تعالى لا ينهى عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمختلف اعتقاديا سواء كان من الأقارب أم من غيرهم، فيما إذا كانوا بحال لم يؤسس لقتال المؤمنين في الدين والإخراج من ديارهم، فحينئذ ليس من مؤاخذة في المعايشة معهم و صلتهم ، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة .

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار