المقالات والبحوث

المرجع اليعقوبي يتحدث عن تعريف الوطن وإمكان تعدده

المرجع اليعقوبي يتحدث عن تعريف الوطن وإمكان تعدده
المصدر: واحة - وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف

المرجع اليعقوبي يتحدث عن تعريف الوطن وإمكان تعدده

 

من قواطع السفر ووجوب التمام المرور بالوطن، بحيث لا يرجع إلى حكم القصر إلا بإنشاء سفر جديد بشروطه. وهذه القضية ثابتة بلحاظ الموضوع والحكم.

 

وقد وردت في كلمات الفقهاء عدة معان للوطن، أوصلها بعضهم إلى (ثمانية أو أكثر) لكنها ترجع إلى ثلاثة عناوين رئيسية:

 

(الأول) الوطن الأصلي: وهو البلد الذي ولد فيه وسكنه مع أبيه بالتبع ولعله ينسب إليه، فهو وطن الآباء والأجداد ولا عبرة بكل هذه الأوصاف وإنما نقصد به محل إقامته الأصلي الذي عاش فيه. 

 

 (الثاني) الوطن الاتخاذي: وهو المحل الذي اتخذه سكناً لغرض تجاري أو وظيفي أو دراسي أو أي شيء آخر. 

 

وهذا الوطن قد يكون مصاحباً للوطن الأول وفي عرضه وقد يكون بديلاً عنه، مثل طالب العلم الذي يتوجه إلى النجف لطلب العلوم الدينية ويتخذ له مسكناً له ولأسرته من دون أن يقطع صلته بوطنه الأصلي فيبقى متواصلاً معه كلما سنحت له فرصة ويعود إليه عند إكمال دراسته، وهذا مثال لتعدد الوطن.

 

(الثالث) الوطن الشرعي: وهو وطن ليس بالمعنى العرفي ولكنه اعتبر بالجعل الشرعي بحسب ما إفادته الروايات، وإنما يتحقق بوجود منزل مملوك له في محل قد سكنه ستة أشهر متصلة عن قصد ونية، فإذا تحقق ذلك أتمّ المسافر صلاته كلما دخله إلا أن يزول ملكه.

 

وقد اختلفت أقوال الفقهاء في إمكان أن يكون للمكلف أكثر من مكان يصدق عليه عنوان الوطن وتترتب عليه أحكامه، والذين قالوا بالتعدد اختلفوا في المصاديق المشمولة بحكم التمام.

 

وقد نفى السيد الشهيد الصدر (قدس سره) إمكان تعدد الوطن أصلاً، قال (قدس سره): ((هل يصدق عرفاً على الفرد أن له وطنين؟ لا يبدو أن هذا مستساغ عرفاً، فإن الناس عادة يتوطنون بلداً واحداً، وهذه العادة تنتج فهماً عرفياً في طولها يقول: إن الوطن لا يكون إلا واحداً)).

 

وقد خالف السيد الشهيد الصدر (قدس سره) بنفيه لتعدد الوطن أستاذه الشهيد الصدر الأول (قدس سره) والمعاصرين، فقال الأول (قدس سره): بالإمكان أن يكون لدى الإنسان وطنان, وقال الشيخ الفياض (دام ظله الشريف): يجوز أن يكون للإنسان وطنان، بأن يكون له منزلان في مكانين، أحدهما في النجف الأشرف مثلاً والآخر في كربلاء، فيقيم في كل سنة بعضاً منها في هذا وبعضها الآخر في الآخر بل قال السيد صاحب العروة (قدس سره) بالإمكان الأكثر من ذلك، قال (قدس سره): يمكن تعدد الوطن العرفي، بأن يكون له منزلان في بلدين أو قريتين من قصده السكنى فيهما أبداً، في كل منهما مقداراً من السنة بأن يكون له زوجتان مثلاً كل واحدة في بلدة، يكون عند كل واحدة ستة أشهر أو بالاختلاف، أي اختلاف مدد الإقامة في البلدين، بل يمكن الثلاثة أيضاً، بل لا يبعد الأزيد أيضاً، وعلّق السيد الحكيم (قدس سره) بقوله: للصدق عرفاً في الجميع.

 

ويرى سماحة الشيخ محمد اليعقوبي ان الوطن مفهوم عرفي ولذا لم يُزد اللغويون شيئاً عما يفهمه العرف، قال في مجمع البحرين: الوطن مكان الإنسان ومحله، ووطنت الأرض توطيناً واستوطنتها أي اتخذتها وطناً.

 

والقدر المتيقن من الوطن هو المكان الذي يستقر به الإنسان ويعيش فيه حياته الطبيعية بحيث إذا سئل عن محل سكنه أجاب بذلك المكان، ويمارس عمله اليومي فيه والذي يسمى بالوطن العرفي. وإنما يبدأ الخلاف فيما لو ترك ذلك المكان الأصلي له واستوطن مكاناً آخر لأجل العمل والدراسة أو التابعية مع بقاء انتسابه عرفاً إلى ذلك المكان ولم يقطع صلته بالأول فكيف يتعامل مع المكانين، أو قطع هذه الصلة مع الأول ولكن بقي له ملك فيه استوطنه مدة.

 

وفيما لو كان له منزلان أحدهما صيفي مثلاً والآخر شتوي أو أن له زوجتين في مكانين مختلفين وتتناوب إقامته معهما، أو يضاف إلى هذين المنزلين مكان ثالث لعمله ونحو ذلك من الاحتمالات فهل يصدق الوطن أو الأعم منه مما يوجب صلاة التمام على كل هذه الأمكنة فتنطبق عليه أحكامه. 

 

وإنما تجب صلاة التمام حينما ينقطع عنوان السفر وإذا افترضنا أن عنوان الوطن هو هذا العنوان الواسع وهو قريب لما سنجد في الروايات من أن (كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير)، فمعيار صدق عنوان الاستيطان على منزل صحة سلب عنوان السفر عنه، وهذا مقياس مفيد لصدق عنوان الوطن عرفاً. 

 

وبغض النظر عما يمكن أن يقال في ثبوت الوطن الشرعي وعدمه فإن العرف هو الحاكم في صدق عنوان الوطن، فالذي يمكث في بلد ما مدة ثمانية أشهر أو تسعة كمن ينتظم في دورة مهنية أو تعليمية أو يرسل بإيفاد من دائرته فإن العرف لا يسميه وطناً ويصدق عليه أنه مسافر لذلك الغرض، نعم لو كان يقضي هذه المدة من كل سنة في ذلك البلد لسنوات فإنه يصدق عليه عرفاً أنه وطن له بلحاظ مجموع المدة التي يقضيها هناك كالطالب الجامعي الذي يسكن الأقسام الداخلية في بلد غير وطنه.

 

ويتوقف القول بتعدد الوطن أو عدمه على معرفة المناط لصدق عنوان الوطن، والتأمل البدوي في الروايات يوصل إلى أكثر من مناط لإتمام الصلاة:

الأول: وجود ملك له كبيت أو ضيعة أو نخلة وتدل عليه: صحيحة إسماعيل بن الفضل، قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر من ارض إلى ارض، وإنما ينزل قراه وضيعته؟ قال: إذا نزلت قراك وأرضك فأتم الصلاة، وإذا كنت في غير أرضك فقصّر) وغيرها. 

 

الثاني: الاستيطان وتدل عليه: صحيحة علي بن يقطين قال: (قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): الرجل يتخذ المنزل فيمر به أيتم أم يقصر؟ قال: كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك أن تتمّ فيه) وغيرها. 

 

وبغض النظر عما يمكن أن يقال في الجمع بين الطائفتين فأنهما يتفقان على إمكان تعدد الوطن، وانه يوجد مكان آخر في عرض محل سكنه وإقامته يمكن أن يستوطنه الإنسان ويقيم فيه ويصلي تماماً. 

 

انظر موسوعة فقه الخلاف لسماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)، ج/2, ص 149 , والصادر عن دار الصادقين 1441/2020.

وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف - واحة
© Alhawza News Agency 2019

اخبار ذات صلة

تعلیقات الزوار